جعل سكُوت الْأَقَل بِمَنْزِلَة إِظْهَار الْمُوَافقَة أَنه لَا يحل لَهُم ترك إِظْهَار الْخلاف إِذا كَانَ الحكم عِنْدهم خلاف ذَلِك وَهَذَا الْمَعْنى فِيمَا يشْتَهر من وَاحِد أَو اثْنَيْنِ أظهر لِأَن تمكن الْأَكْثَر من إِظْهَار الْخلاف يكون أبين فَلِأَن يَجْعَل سكوتهم عَن إِظْهَار الْخلاف بعد مَا اشْتهر القَوْل دَلِيل الْمُوَافقَة كَانَ أولى
وَأما حَدِيث الْقِسْمَة فَإِنَّمَا سكت عَليّ رَضِي الله عَنهُ لِأَن مَا أشاروا بِهِ على عمر كَانَ حسنا فَإِن للْإِمَام أَن يُؤَخر الْقِسْمَة فِيمَا يفضل عِنْده من المَال ليَكُون معدا لنائبة تنوب الْمُسلمين وَلَكِن كَانَ الْقِسْمَة أحسن عِنْد عَليّ لِأَنَّهُ أقرب إِلَى أَدَاء الْأَمَانَة وَالْخُرُوج عَمَّا يحمل من الْعهْدَة وَفِي مثل هَذَا الْموضع لَا يجب إِظْهَار الْخلاف وَلَكِن إِذا سُئِلَ يجب بَيَان الْأَحْسَن فَلهَذَا سكت عَليّ فِي الِابْتِدَاء وَحين سَأَلَهُ بَين الْوَجْه الْأَحْسَن عِنْده
وَكَذَا حَدِيث الإملاص فَإِن مَا أشاروا بِهِ من الحكم كَانَ صَوَابا لِأَنَّهُ لم يُوجد من عمر رَضِي الله عَنهُ مُبَاشرَة صنع بهَا وَلَا تسبب هُوَ جِنَايَة وَلَكِن إِلْزَام الْغرَّة مَعَ هَذَا يكون أبعد من القيل والقال وَيكون أقرب إِلَى بسط الْعدْل وَحسن الرِّعَايَة فَلهَذَا سكت فِي الِابْتِدَاء وَلما استنطقه بَين أولى الْوَجْهَيْنِ عِنْده يُوضحهُ أَن مُجَرّد السُّكُوت عَن إِظْهَار الْخلاف لَا يكون دَلِيل الْمُوَافقَة عندنَا مَا بَقِي مجْلِس الْمُشَاورَة وَلم يفصل الحكم بعد فَإِنَّمَا يكون هَذَا حجَّة أَن لَو فصل عمر الحكم بقَوْلهمْ أَو ظهر مِنْهُ توقف فِي الْجَواب وَيكون عَليّ رَضِي الله عَنهُ ساكتا بعد ذَلِك وَلم ينْقل هَذَا فَإِنَّمَا يحمل سُكُوته فِي الِابْتِدَاء على أَنه لتجربة أفهامهم أَو لتعظيم الْفَتْوَى الَّذِي يُرِيد إِظْهَاره بِاجْتِهَادِهِ حَتَّى لَا يزدري بِهِ أحد من السامعين أَو ليروي النّظر فِي الْحَادِثَة ويميزه من الْأَشْبَاه حَتَّى يتَبَيَّن لَهُ مَا هُوَ الصَّوَاب فيظهره وَالظَّاهِر أَنه لَو لم يستنطقه عمر رَضِي الله عَنهُ لَكَانَ هُوَ بَين مَا يسْتَقرّ عَلَيْهِ رَأْيه من الْجَواب قبل إبرام الحكم وانقضاء مجْلِس الْمُشَاورَة
فَأَما حَدِيث ابْن عَبَّاس فقد قيل إِنَّه لَا يكَاد يَصح لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ كَانَ يقدم ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَكَانَ يَدعُوهُ فِي مجْلِس الشورى مَعَ الْكِبَار من