وَكَذَلِكَ مَا قَالَه الْكَرْخِي رَحمَه الله فَهُوَ خَارج على هَذَا الْحَرْف لأَنا لَا نجْعَل مُجَرّد السُّكُوت عَن النكير دَلِيل الْمُوَافقَة بل ترك إِظْهَار مَا عِنْده مِمَّا هُوَ مُخَالف لما انْتَشَر وَهَذَا وَاجِب على كل مُجْتَهد من عُلَمَاء الْعَصْر لَا يُبَاح لَهُ السُّكُوت عَنهُ بعد مَا انْتَشَر قَول بِخِلَاف قَوْله وبلغه ذَلِك فَإِنَّمَا يحمل السُّكُوت على الْوَجْه الَّذِي يحل لَهُ شرعا وَلِهَذَا اعْتبرنَا فِي ثُبُوت الْإِجْمَاع بِهَذَا الطَّرِيق أَن يسكت بعد عرض الْفَتْوَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَا لم يبلغهُ قَول هُوَ مُخَالف لما عِنْده وَمَا لم يسْأَل عَنهُ لَا يلْزمه الْبَيَان وَإِنَّمَا يكون ذَلِك بعد عرض الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَبعد مُضِيّ مُدَّة المهلة أَيْضا لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى التروي وَإِلَى رد الْحَادِثَة إِلَى الْأَشْبَاه ليميز الْأَشْبَه بالحادثة من بَين الْأَشْبَاه بِرَأْيهِ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِك إِلَّا بِمدَّة فَإِذا مَضَت الْمدَّة وَلم يظْهر خلاف مَا بلغه كَانَ ذَلِك دَلِيلا على الْوِفَاق بِاعْتِبَار الْعَادة
فَإِن قيل كَانَ يَنْبَغِي أَن لَا تَنْتَهِي هَذِه الْمدَّة إِلَّا بِمَوْتِهِ لِأَن الْإِنْسَان قد يكون متفكرا فِي شَيْء مُدَّة عمره فَلَا يسْتَقرّ فِيهِ رَأْيه على شَيْء وَقد يرى رَأيا فِي شَيْء ثمَّ يظْهر لَهُ رَأْي آخر فَيرجع عَن الأول فعلى هَذَا مُدَّة التروي لَا تَنْتَهِي إِلَّا بِمَوْتِهِ
قُلْنَا لَا كَذَلِك بل إِذا مضى من الْمدَّة مَا يتَمَكَّن فِيهِ من النّظر وَالِاجْتِهَاد فَعَلَيهِ إِظْهَار مَا تبين لَهُ بِاجْتِهَادِهِ من توقف فِي الْجَواب أَو خلاف أَو وفَاق لَا يحل لَهُ السُّكُوت عَن الْإِظْهَار إِلَّا عِنْد الْمُوَافقَة وَبَعْدَمَا ثَبت الْإِجْمَاع بِهَذَا الطَّرِيق فَلَيْسَ لَهُ أَن يرجع عَنهُ بِرَأْي يعرض لَهُ لِأَن الْإِجْمَاع مُوجب للْعلم قطعا بِمَنْزِلَة النَّص فَكَمَا لَا يجوز ترك الْعَمَل بِالنَّصِّ بِاعْتِبَار رَأْي يعْتَرض لَهُ لَا يجوز مُخَالفَة الْإِجْمَاع بِرَأْي يعْتَرض لَهُ بَعْدَمَا انْعَقَد الْإِجْمَاع بدليله
وَكَذَلِكَ إِن لم يعرض عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَكِن اشْتهر الْفَتْوَى فِي النَّاس على وَجه يعلم أَنه بلغ ذَلِك الساكتين من عُلَمَاء الْعَصْر فَإِن ذَلِك يقوم مقَام الْعرض عَلَيْهِم لِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِم إِظْهَار الْخلاف الَّذِي عِنْدهم إِن كَانُوا يَعْتَقِدُونَ خلاف ذَلِك على وَجه ينتشر هَذَا الْخلاف مِنْهُم كَمَا انْتَشَر القَوْل الأول ليَكُون الثَّانِي مُعَارضا للْأولِ وَلَو أظهرُوا ذَلِك لانتشر فسكوتهم عَن الْإِظْهَار الثَّابِت بِدَلِيل عدم الانتشار
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute