مِنْهُم على أَنه لَا قَول سوى مَا ذكرُوا فِيهَا وَأَن الْحق لَا يعدو أقاويلهم حَتَّى لَيْسَ لأحد بعدهمْ أَن يخترع قولا آخر بِرَأْيهِ وَلِهَذَا قُلْنَا إِن الصَّحَابَة لما اخْتلفُوا فِي مِقْدَار جعل الْآبِق على أقاويل كَانَ ذَلِك اتِّفَاقًا مِنْهُم على أَن الْحق لَا يعدو أقاويلهم فَلَيْسَ لأحد بعدهمْ أَن يخترع فِيهِ قولا آخر بِرَأْيهِ إِلَّا أَن هَذَا الْإِجْمَاع دون الأول فِي الحكم لِأَن ثُبُوته بطرِيق الِاسْتِدْلَال وَأَصله مسكوت عَنهُ فَلَا يكفر جاحده مثل هَذَا الْإِجْمَاع
فَإِن قيل أَلَيْسَ أَنكُمْ قُلْتُمْ فِيمَن قَالَ لامْرَأَته اخْتَارِي فَإِن اخْتَارَتْ نَفسهَا وَقعت تَطْلِيقَة بَائِنَة وَإِن اخْتَارَتْ زَوجهَا لم يَقع شَيْء وَقد كَانَت الصَّحَابَة فِيهَا على قَوْلَيْنِ سوى هَذَا ثمَّ اخترعتم قولا ثَالِثا برأيكم قُلْنَا مَا فعلنَا ذَلِك فَإِن الْكَرْخِي رَحمَه الله ذكر مَذْهَبنَا عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ فَلَيْسَ ذَلِك بِخُرُوج عَن أقاويلهم وَفِي قَوْله مَا رَآهُ الْمُسلمُونَ حسنا بَيَان أَن إِجْمَاع أهل كل عصر حجَّة وَلَكِن هَذَا فِي الحكم دون مَا سبق وَهُوَ بِمَنْزِلَة خبر مَشْهُور حَتَّى لَا يكفر جاحده وَلَكِن يجوز النّسخ بِهِ لِأَن بَين من يعْتد بقَوْلهمْ من الْعلمَاء اخْتِلَافا فِيهِ وَدون هَذَا بِدَرَجَة أَيْضا الْإِجْمَاع بعد الِاخْتِلَاف فِي الْحَادِثَة إِذا كَانَت مُخْتَلفا فِيهَا فِي عصر ثمَّ اتّفق أهل عصر آخر بعدهمْ على أحد الْقَوْلَيْنِ فقد قَالَ بعض الْعلمَاء هَذَا لَا يكون إِجْمَاعًا وَعِنْدنَا هُوَ إِجْمَاع وَلكنه بِمَنْزِلَة خبر الْوَاحِد فِي كَونه مُوجبا للْعَمَل غير مُوجب للْعلم
قَالَ رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ شَيخنَا (الإِمَام الْحلْوانِي رَحمَه الله) يَقُول هَذَا على قَول مُحَمَّد رَحمَه الله يكون إِجْمَاعًا فَأَما على قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله لَا يكون إِجْمَاعًا فَإِن الرِّوَايَة مَحْفُوظَة عَن مُحَمَّد رَحمَه الله أَن قَضَاء القَاضِي بِجَوَاز بيع أم الْوَلَد بَاطِل وَقد كَانَ هَذَا مُخْتَلفا فِيهِ بَين الصَّحَابَة ثمَّ اتّفق من بعدهمْ على أَنه لَا يجوز بيعهَا فَكَانَ هَذَا قَضَاء بِخِلَاف الْإِجْمَاع عِنْد مُحَمَّد وعَلى قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله ينفذ قَضَاء القَاضِي بِهِ لشُبْهَة الِاخْتِلَاف فِي الصَّدْر الأول وَلَا يثبت الْإِجْمَاع مَعَ وجود الِاخْتِلَاف فِي الصَّدْر الأول
قَالَ رَضِي الله عَنهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute