فَيكون ذَلِك بَيَانا أَن من اعْتمد خبر الْعدْل فِي الْعَمَل بِهِ يكون مصيبا بِعلم لَا بِجَهَالَة إِلَّا أَن ذَلِك (علم) بِاعْتِبَار الظَّاهِر لِأَن عَدَالَته ترجح جَانب الصدْق فِي خَبره وَإِذا كَانَ هَذَا النَّوْع من الظَّاهِر يصلح حجَّة للْقَضَاء بِهِ فَلِأَن يصلح حجَّة للْعَمَل بِهِ فِي أَمر الدّين كَانَ أولى لِأَن هَذَا الحكم أسْرع ثبوتا أَلا ترى أَن بِالْقِيَاسِ يثبت وَمَعْلُوم أَن هَذَا الِاحْتِمَال فِي الْقيَاس أظهر وَالْقِيَاس دون خبر الْوَاحِد وَمن لَا يجوز الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد هُنَا يفزع إِلَى الْقيَاس فَكيف يَسْتَقِيم ترك الْعَمَل بِمَا هُوَ أقوى لبَقَاء احْتِمَال فِيهِ والفزع إِلَى مَا هُوَ دونه وَهَذَا الِاحْتِمَال فِيهِ أظهر فَإِن قيل هَذَا سَهْو فَإِن الْكَلَام فِي إِثْبَات الحكم ابْتِدَاء وَالْقِيَاس لَا يصلح لنصب الحكم ابْتِدَاء وَإِنَّمَا ذَلِك بِالسَّمَاعِ مِمَّن ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي وَقد كَانَ مَعْصُوما عَن مثل هَذَا الِاحْتِمَال فِي خَبره فَعرفنَا أَنه لَا يثبت الحكم ابْتِدَاء إِلَّا بِخَبَر يضاهي السماع مِنْهُ وَذَلِكَ بِأَن يبلغ حد التَّوَاتُر إِلَّا أَن فِي الْقَضَاء تركنَا هَذَا الشَّرْط لضَرُورَة بِالنَّاسِ فَإِنَّهُم يَحْتَاجُونَ إِلَى إِظْهَار حُقُوقهم بِالْحجَّةِ عِنْد القَاضِي وَلَا يتمكنون من مثل هَذَا الْخَبَر فِي كل حق يجب لبَعْضهِم على بعض
قُلْنَا رَضِينَا بِهَذَا الْكَلَام ونقول حاجتنا إِلَى معرفَة أَحْكَام الدّين وَحُقُوق الله تَعَالَى علينا لنعمل بِهِ مثل حَاجَة من كَانَ فِي زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحَضْرَتِهِ وَكَانُوا يسمعُونَ مِنْهُ وَمَعْلُوم أَن بعد تطاول الزَّمَان لَا يُوجد مثل هَذَا الْخَبَر فِي كل حكم من أَحْكَام الشَّرْع فَوَجَبَ أَن يَجْعَل خبر الْوَاحِد فِيهِ حجَّة للْعَمَل بِاعْتِبَار الظَّاهِر لتحَقّق الْحَاجة إِلَيْهِ كَمَا جعل مثل هَذِه الْحَاجة مُعْتَبرا فِي وجوب الْقَضَاء على القَاضِي بِالشَّهَادَةِ مَعَ بَقَاء الِاحْتِمَال مَعَ أَنه لَيْسَ الطَّرِيق مَا قَالُوا فِي بَاب الْقَضَاء فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يسمع الْخُصُومَة فِي حُقُوق الْعباد وَيَقْضِي بالشهادات والأيمان وَكَانَ يَقُول إِنَّمَا أَنا بشر مثلكُمْ أَقْْضِي بِمَا أسمع فَمن قضيت لَهُ بِشَيْء من حق أَخِيه فَكَأَنَّمَا أقطع لَهُ قِطْعَة من النَّار وَمَعْلُوم أَن مثل هَذِه الضَّرُورَة مَا كَانَ يتَحَقَّق فِي حَقه فقد كَانَ الْوَحْي ينزل عَلَيْهِ وَلَو كَانَ توهم الْكَذِب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute