الْقلب عِنْد النّظر فِي الْحجَج بِمَنْزِلَة السراج فَإِنَّهُ نور تبصر الْعين بِهِ عِنْد النّظر فترى مَا يدْرك بالحواس لَا أَن السراج يُوجب رُؤْيَة ذَلِك وَلكنه يدل الْعين عِنْد النّظر عَلَيْهِ فَكَذَلِك نور الصَّدْر الَّذِي هُوَ الْعقل يدل الْقلب على معرفَة مَا هُوَ غَائِب عَن الْحَواس من غير أَن يكون مُوجبا لذَلِك بل الْقلب يدْرك (بِالْعقلِ) ذَلِك بِتَوْفِيق الله تَعَالَى وَهُوَ فِي الْحَاصِل عبارَة عَن الِاخْتِيَار الَّذِي يبتنى عَلَيْهِ الْمَرْء مَا يَأْتِي بِهِ وَمَا يذر مِمَّا لَا يَنْتَهِي إِلَى إِدْرَاكه سَائِر الْحَواس فَإِن الْفِعْل أَو التّرْك لَا يعْتَبر إِلَّا لحكمة وعاقبة حميدة وَلِهَذَا لَا يعْتَبر من الْبَهَائِم لخلوه عَن هَذَا الْمَعْنى وَالْعَاقبَة الحميدة لَا تتَحَقَّق فِيمَا يَأْتِي بِهِ الْإِنْسَان من فعل أَو ترك لَهُ إِلَّا بعد التَّأَمُّل فِيهِ بعقله فَمَتَى ظَهرت أَفعاله على سنَن أَفعَال الْعُقَلَاء كَانَ ذَلِك دَلِيلا لنا على أَنه عَاقل مُمَيّز وَأَن فعله وَقَوله لَيْسَ يَخْلُو عَن حِكْمَة وعاقبة حميدة وَهَذَا لِأَن الْعقل لَا يكون مَوْجُودا فِي الْآدَمِيّ بِاعْتِبَار أَصله وَلكنه خلق من خلق الله تَعَالَى يحدث شَيْئا فَشَيْئًا ثمَّ يتَعَذَّر الْوُقُوف على وجود كل جُزْء مِنْهُ بِحَسب مَا يمْضِي من الزَّمَان على الصَّبِي إِلَى أَن يبلغ صفة الْكَمَال فَجعل الشَّرْع الْحَد لمعْرِفَة كَمَال الْعقل هُوَ الْبلُوغ تيسيرا لِلْأَمْرِ علينا لِأَن اعْتِدَال الْحَال عِنْد ذَلِك يكون عَادَة وَالله تَعَالَى هُوَ الْعَالم حَقِيقَة بِمَا يحدثه من ذَلِك فِي كل أحد من عباده من نُقْصَان أَو كَمَال وَلَكِن لَا طَرِيق لنا إِلَى الْوُقُوف على حد ذَلِك فَقَامَ السَّبَب الظَّاهِر فِي حَقنا مقَام الْمَطْلُوب حَقِيقَة تيسيرا وَهُوَ الْبلُوغ مَعَ انعدام الآفة ثمَّ يسْقط اعْتِبَار مَا يُوجد من الْعقل للصَّبِيّ قبل هَذَا الْحَد شرعا لدفع الضَّرَر عَنهُ لَا للإضرار بِهِ فَإِن الصِّبَا سَبَب للنَّظَر لَهُ وَلِهَذَا لم يعْتَبر فِيمَا يتَرَدَّد بَين الْمَنْفَعَة والمضرة وَيعْتَبر فِيمَا يتمخض مَنْفَعَة لَهُ
ثمَّ خَبره فِي أَحْكَام الشَّرْع لَا يكون حجَّة للإلزام دفعا لضَرَر الْعهْدَة عَنهُ كَمَا لَا يَجْعَل وليا فِي تَصَرُّفَاته فِي أُمُور الدُّنْيَا دفعا لضَرَر الْعهْدَة عَنهُ وَلِهَذَا صَحَّ سَمَاعه وتحمله للشَّهَادَة قبل الْبلُوغ إِذا كَانَ مُمَيّزا فقد كَانَ فِي الصَّحَابَة من سمع فِي حَالَة الصغر وروى بعد الْبلُوغ وَكَانَت رِوَايَته مَقْبُولَة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِك من معنى ضَرَر لُزُوم الْعهْدَة شَيْء وَإِنَّمَا يكون ذَلِك فِي الْأَدَاء فَيشْتَرط لفسخه أَدَائِهِ على وَجه يكون حجَّة كَونه عَاقِلا مُطلقًا
وَلَا يحصل ذَلِك إِلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute