للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تزوج مَيْمُونَة وَهُوَ محرم قَالَ عَمْرو فَقلت لجَابِر إِن ابْن شهَاب أَخْبرنِي عَن يزِيد بن الْأَصَم أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام تزَوجهَا وَهُوَ حَلَال

فَقَالَ إِنَّهَا كَانَت خَالَة ابْن عَبَّاس وَهُوَ أعلم بِحَالِهَا

فَقلت وَقد كَانَت خَالَة يزِيد بن الْأَصَم أَيْضا

فَقَالَ أَنى يَجْعَل يزِيد بن الْأَصَم بوال على عقبه إِلَى ابْن عَبَّاس فَدلَّ أَن رِوَايَة غير الْفَقِيه لَا تكون مُعَارضَة لرِوَايَة الْفَقِيه وَهَذَا التَّرْجِيح لَيْسَ إِلَّا بِاعْتِبَار تَمام الضَّبْط من الْفَقِيه وَكَأن الْمَعْنى فِيهِ أَن نقل الْخَبَر بِالْمَعْنَى كَانَ مَشْهُورا فيهم فَمن لَا يكون مَعْرُوفا بالفقه رُبمَا يقصر فِي أَدَاء الْمَعْنى بِلَفْظِهِ بِنَاء على فهمه ويؤمن مثل ذَلِك من الْفَقِيه وَلِهَذَا قُلْنَا إِن الْمُحَافظَة على اللَّفْظ فِي زَمَاننَا أولى من الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى لتَفَاوت ظَاهر بَين النَّاس فِي فهم الْمَعْنى

فَإِن قيل كَيفَ يَسْتَقِيم هَذَا وَنقل الْقُرْآن صَحِيح مِمَّن لَا يفهم مَعْنَاهُ قُلْنَا أصل النَّقْل فِي الْقُرْآن من أَئِمَّة الْهدى الَّذين كَانُوا خير الورى بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا نقلوا بعد تَمام الضَّبْط ثمَّ من بعدهمْ إِنَّمَا ينْقل بعد جهد شَدِيد يكون مِنْهُ فِي التَّعَلُّم وَالْحِفْظ واستدامة الْقِرَاءَة وَلَو وجد مثل ذَلِك فِي الْخَبَر لَكنا نجوز نَقله أَيْضا مَعَ أَن الله تَعَالَى وعد حفظ الْقُرْآن عَن تَحْرِيف المبطلين بقوله تَعَالَى {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} وَبِهَذَا النَّص عرفنَا انْقِطَاع طمع الْمُلْحِدِينَ عَن الْقُرْآن فصححنا النَّقْل فِيهِ مِمَّن يكون ضابطا لَهُ ظَاهرا وَإِن كَانَ لَا يعرف مَعْنَاهُ وَمثل ذَلِك لَا يُوجد فِي الْأَخْبَار فَكَانَ تَمام الضَّبْط فِيهَا بِمَا قُلْنَا

مَعَ أَن هُنَاكَ يتَعَلَّق بالنظم أَحْكَام مِنْهَا حُرْمَة الْقِرَاءَة على الْجنب وَالْحَائِض وَجَوَاز الصَّلَاة بهَا فِي قَول بعض الْعلمَاء وَكَون النّظم معجزا

فَأَما فِي الْأَخْبَار الْمُعْتَبر هُوَ الْمَعْنى المُرَاد بالْكلَام فتمام الضَّبْط إِنَّمَا يكون بِالْوُقُوفِ على مَا هُوَ المُرَاد وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله لَا تجوز الشَّهَادَة على الْكتاب والختم إِذا لم يعرف الشَّاهِد مَا فِي بَاطِن الْكتاب لِأَن الضَّبْط فِي الشَّهَادَة شَرط للْأَدَاء

<<  <  ج: ص:  >  >>