للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرفع عمر رَضِي الله عَنهُ رَأسه وَلم يعْتَمد رِوَايَته مَعَ أَنه كَانَ عدلا ثِقَة لِأَنَّهُ روى عَنهُ وَلم يتَذَكَّر هُوَ مَا رَوَاهُ فَكَانَ لَا يرى التَّيَمُّم للْجنب بعد ذَلِك وَلِأَن بِاعْتِبَار تَكْذِيب الْعَادة يخرج الحَدِيث من أَن يكون حجَّة مُوجبَة للْعَمَل كَمَا قَررنَا فِيمَا سبق وَتَكْذيب الرَّاوِي أدل على الوهن من تَكْذِيب الْعَادة وَهَذَا لِأَن الْخَبَر إِنَّمَا يكون مَعْمُولا بِهِ إِذا اتَّصل برَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام وَقد انْقَطع هَذَا الِاتِّصَال بإنكار رَاوِي الأَصْل لِأَن إِنْكَاره حجَّة فِي حَقه فتنتفي بِهِ رِوَايَته الحَدِيث أَو يصير هُوَ مناقضا بإنكاره وَمَعَ التَّنَاقُض لَا تثبت رِوَايَته وَبِدُون رِوَايَته لَا يثبت الِاتِّصَال فَلَا يكون حجَّة كَمَا فِي الشَّهَادَة على الشَّهَادَة وكما يتَوَهَّم نِسْيَان رَاوِي الأَصْل يتَوَهَّم غلط رَاوِي الْفَرْع فقد يسمع الْإِنْسَان حَدِيثا فيحفظه وَلَا يحفظ من سمع مِنْهُ فيظن أَنه سَمعه من فلَان وَإِنَّمَا سَمعه من غَيره فأدنى الدَّرَجَات فِيهِ أَن يَقع التَّعَارُض فِيمَا هُوَ متوهم فَلَا يثبت الِاتِّصَال من جِهَته وَلَا من جِهَة غَيره لِأَنَّهُ مَجْهُول وبالمجهول لَا يثبت الِاتِّصَال

وَأما حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ فَإِنَّمَا يحمل على أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام تذكر ذَلِك عِنْد خبرهما وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر فَإِنَّهُ كَانَ مَعْصُوما عَن التَّقْرِير على الْخَطَأ وَحَدِيث عمر مُحْتَمل لذَلِك أَيْضا فَرُبمَا تذكر حِين شهد بِهِ غَيره فَلهَذَا عمل بِهِ أَو تذكر غَفلَة من نَفسه وشغل الْقلب بِشَيْء فِي ذَلِك الْوَقْت وَقد يكون هَذَا للمرء بِحَيْثُ يُوجد شَيْء مِنْهُ ثمَّ لَا يذكرهُ فَأَخذه بِالِاحْتِيَاطِ وَجعله آمنا من هَذَا الْوَجْه

وَنحن لَا نمْنَع من مثل هَذَا الِاحْتِيَاط وَإِنَّمَا ندعي أَنه لَا يبْقى مُوجبا للْعَمَل مَعَ إِنْكَار رَاوِي الأَصْل وكما أَن رَاوِي الْفَرْع عدل ثِقَة فراوي الأَصْل كَذَلِك وَذَلِكَ يرجح جَانب الصدْق فِي إِنْكَاره أَيْضا فتتحقق الْمُعَارضَة من هَذَا الْوَجْه وَأدنى مَا فِيهِ أَن يتعارض قولاه فِي الرِّوَايَة وَالْإِنْكَار فَيبقى الْأَمر على مَا كَانَ قبل رِوَايَته

وَأما الْوَجْه الثَّانِي وَهُوَ مَا إِذا ظهر مِنْهُ الْمُخَالفَة قولا أَو عملا فَإِن كَانَ ذَلِك بتاريخ قبل الرِّوَايَة فَإِنَّهُ لَا يقْدَح فِي الْخَبَر وَيحمل على أَنه كَانَ ذَلِك مذْهبه قبل أَن يسمع الحَدِيث فَلَمَّا سمع الحَدِيث رَجَعَ إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ إِن لم يعلم التَّارِيخ لِأَن الْحمل على أحسن الْوَجْهَيْنِ وَاجِب مَا لم يتَبَيَّن خِلَافه وَهُوَ أَن يكون ذَلِك مِنْهُ قبل أَن يبلغهُ الحَدِيث

<<  <  ج: ص:  >  >>