لم يجوز التَّحَرِّي فِي الْفروج أصلا عِنْد اخْتِلَاط الْمُعتقَة عينا بِغَيْر الْمُعتقَة لِأَن جَوَاز ذَلِك بِاعْتِبَار الضَّرُورَة وَلَا مدْخل للضَّرُورَة فِي إِبَاحَة الْفرج بِدُونِ الْملك بِخِلَاف الطَّعَام وَالشرَاب
ثمَّ إِذا عمل بِأحد القياسين وَحكم بِصِحَّة عمله بِاعْتِبَار الظَّاهِر يصير ذَلِك لَازِما لَهُ حَتَّى لَا يجوز لَهُ أَن يتْركهُ وَيعْمل بِالْآخرِ من غير دَلِيل مُوجب لذَلِك
وعَلى هَذَا قُلْنَا فِي الثَّوْبَيْنِ إِذا كَانَ أَحدهمَا طَاهِرا وَالْآخر نجسا وَهُوَ لَا يجد ثوبا آخر فَإِنَّهُ يصير إِلَى التَّحَرِّي لتحَقّق الضَّرُورَة فَإِنَّهُ لَو ترك لبسهما لَا يجد شَيْئا آخر يُقيم بِهِ فرض السّتْر الَّذِي هُوَ شَرط جَوَاز الصَّلَاة وَبَعْدَمَا صلى فِي أحد الثَّوْبَيْنِ بِالتَّحَرِّي لَا يكون لَهُ أَن يُصَلِّي فِي الثَّوْب الآخر لأَنا حِين حكمنَا بِجَوَاز الصَّلَاة فِي ذَلِك الثَّوْب فَذَلِك دَلِيل شَرْعِي مُوجب طَهَارَة ذَلِك الثَّوْب وَالْحكم بِنَجَاسَة الثَّوْب الآخر فَلَا تجوز الصَّلَاة فِيهِ بعد ذَلِك إِلَّا بِدَلِيل أقوى مِنْهُ
فَإِن قيل أَلَيْسَ أَنه لَو تحرى عِنْد اشْتِبَاه الْقبْلَة وَصلى صَلَاة إِلَى جِهَة ثمَّ وَقع تحريه على جِهَة أُخْرَى يجوز لَهُ أَن يُصَلِّي فِي الْمُسْتَقْبل إِلَى الْجِهَة الثَّانِيَة وَلم يَجْعَل ذَلِك دَلِيلا على أَن جِهَة الْقبْلَة مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده فِي الِابْتِدَاء قُلْنَا لِأَن هُنَاكَ الحكم بِجَوَاز الصَّلَاة إِلَى تِلْكَ الْجِهَة لَا يتَضَمَّن الحكم بِكَوْنِهَا جِهَة الْكَعْبَة لَا محَالة أَلا ترى أَنه وَإِن تبين لَهُ الْخَطَأ بِيَقِين بِأَن استدبر الْكَعْبَة جَازَت صلَاته وَفِي الثَّوْب من ضَرُورَة الحكم بِجَوَاز الصَّلَاة فِي ثوب الحكم بِطَهَارَة ذَلِك الثَّوْب حَتَّى إِذا تبين أَنه كَانَ نجسا تلْزمهُ إِعَادَة الصَّلَاة وَالْعَمَل بِالْقِيَاسِ من هَذَا الْقَبِيل فَإِن صِحَة الْعَمَل بِأحد القياسين يتَضَمَّن الحكم بِكَوْنِهِ حجَّة للْعَمَل بِهِ ظَاهرا وَلِهَذَا لَو تبين نَص بِخِلَافِهِ بَطل حكم الْعَمَل بِهِ فَلهَذَا كَانَ الْعَمَل بِأحد القياسين مَانِعا لَهُ من الْعَمَل بِالْقِيَاسِ الآخر بعد مَا لم يتَبَيَّن دَلِيل أقوى مِنْهُ
وَوجه آخر أَن التَّعَارُض بَين النصين إِنَّمَا يَقع لجهلنا بالتاريخ بَينهمَا وَالْجهل لَا يصلح دَلِيلا على حكم شَرْعِي من حَيْثُ الْعلم لَا من حَيْثُ الْعَمَل وَالِاخْتِيَار حكم شَرْعِي لَا يجوز أَن يثبت بِاعْتِبَار هَذَا الْجَهْل
فَأَما التَّعَارُض بَين القياسين بِاعْتِبَار كَون كل وَاحِد مِنْهُمَا صَالحا للْعَمَل بِهِ فِي أصل الْوَضع وَإِن كَانَ أَحدهمَا صَوَابا حَقِيقَة وَالْآخر خطأ وَلَكِن من حَيْثُ الظَّاهِر هُوَ مَعْمُول
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute