للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيمَا وَرَاء ذَلِك الحكم مُحْتَمل للانتقال فَإِن الْكَلَام فِي حكم يحْتَمل النّسخ وَشرط الْعَمَل بِالْقِيَاسِ أَن يكون مبتلى بِطَلَب الطَّرِيق بِاعْتِبَار أصل الْوَضع شرعا فَإِذا اسْتَقر رَأْيه على أَن الصَّوَاب هُوَ الآخر كَانَ عَلَيْهِ أَن يعْمل فِي الْمُسْتَقْبل

وعَلى هَذَا الأَصْل قُلْنَا إِذا طلق إِحْدَى امرأتيه بِعَينهَا ثمَّ نسي أَو أعتق أحد المملوكين بِعَيْنِه ثمَّ نسي لَا يثبت لَهُ خِيَار الْبَيَان لِأَن الْوَاقِع من الطَّلَاق وَالْعتاق لَا يحْتَمل الِانْتِقَال من مَحل إِلَى مَحل آخر وَإِنَّمَا ثبتَتْ الْمُعَارضَة بَين المحلين فِي حَقه لجهله بِالْمحل الَّذِي عينه عِنْد الْإِيقَاع وجهله لَا يثبت الْخِيَار لَهُ شرعا وبمثله لَو أوجب فِي أَحدهمَا بِغَيْر عينه ابْتِدَاء كَانَ لَهُ الْخِيَار فِي الْبَيَان لِأَن تعْيين الْمحل كَانَ مَمْلُوكا لَهُ شرعا كابتداء الْإِيقَاع وَلكنه بِمُبَاشَرَة الْإِيقَاع أسقط مَا كَانَ لَهُ من الْخِيَار فِي أصل الْإِيقَاع وَلم يسْقط مَا كَانَ لَهُ من الْخِيَار فِي التَّعْيِين فَيبقى ذَلِك الْخِيَار ثَابتا لَهُ شرعا وَمِمَّا يثبت فِيهِ حكم التَّعَارُض سُؤْر الْحمار والبغل فقد تَعَارَضَت الْأَدِلَّة فِي الحكم بِطَهَارَتِهِ ونجاسته وَقد بَينا هَذَا فِي فروع الْفِقْه وَلَكِن لَا يُمكن الْمصير إِلَى الْقيَاس بعد هَذَا التَّعَارُض لِأَن الْقيَاس لَا يصلح لنصب الحكم بِهِ ابْتِدَاء فَوَجَبَ الْعَمَل بِدَلِيل فِيهِ بِحَسب الْإِمْكَان وَهُوَ الْمصير إِلَى الْحَال فَإِن المَاء كَانَ طَاهِرا فِي الأَصْل فَيبقى طَاهِرا

نَص عَلَيْهِ فِي غير مَوضِع من النَّوَادِر حَتَّى قَالَ لَو غمس الثَّوْب فِي سُؤْر الْحمار تجوز الصَّلَاة فِيهِ وَلَا يَتَنَجَّس الْعُضْو أَيْضا بِاسْتِعْمَالِهِ لِأَنَّهُ عرق طَاهِر فِي الأَصْل

وَهَذَا الدَّلِيل لَا يصلح أَن يكون مُطلقًا أَدَاء الصَّلَاة بِهِ وَحده لِأَن الْحَدث كَانَ ثَابتا قبل اسْتِعْمَاله فَلَا يَزُول بِاسْتِعْمَالِهِ بِيَقِين فشرطنا ضم التَّيَمُّم إِلَيْهِ حَتَّى يحصل التيقن بِالطَّهَارَةِ الْمُطلقَة لأَدَاء الصَّلَاة

وَكَذَلِكَ الْخُنْثَى إِذا لم يظْهر فِيهِ دَلِيل يتَرَجَّح بِهِ صفة الذُّكُورَة أَو الْأُنُوثَة فَإِنَّهُ يكون مُشكل الْحَال يَجْعَل بِمَنْزِلَة الذُّكُور فِي بعض الْأَحْكَام وبمنزلة الْإِنَاث فِي الْبَعْض على حسب مَا يدل عَلَيْهِ الْحَال فِي كل حكم

وَكَذَلِكَ الْمَفْقُود فَإِنَّهُ يَجْعَل بمنزله الْحَيّ فِي مَال نَفسه حَتَّى لَا يُورث عَنهُ وبمنزلة الْمَيِّت فِي الْإِرْث من الْغَيْر لِأَن أمره مُشكل فَوَجَبَ الْمصير إِلَى الْحَال لأجل الضَّرُورَة وَالْحكم بِمَا يدل عَلَيْهِ الْحَال فِي كل حَادِثَة

<<  <  ج: ص:  >  >>