للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَو اشْتهر النَّاسِخ لما أَجمعُوا على الْعَمَل بِخِلَافِهِ فَبِهَذَا الطَّرِيق تَنْتفِي الْمُعَارضَة وكما يَنْتَفِي التَّعَارُض بِدَلِيل الْإِجْمَاع يثبت التَّعَارُض بِدَلِيل الْإِجْمَاع فَإِن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن مِيرَاث الْعمة وَالْخَالَة فَقَالَ لَا شَيْء لَهما وَقَالَ الْخَال وَارِث من لَا وَارِث لَهُ فَمن حَيْثُ الظَّاهِر لَا تعَارض بَين الْحَدِيثين لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي مَحل آخر وَلَكِن ثَبت بِإِجْمَاع النَّاس أَنه لَا فرق بَين الْخَال وَالْخَالَة والعمة فِي صفة الوراثة فباعتبار هَذَا الْإِجْمَاع يَقع التَّعَارُض بَين النصين ثمَّ رجح عُلَمَاؤُنَا الْمُثبت مِنْهُمَا وَرجح الشَّافِعِي مَا كَانَ مَعْلُوما بِاعْتِبَار الأَصْل وَهُوَ عدم اسْتِحْقَاق الْمِيرَاث

وَبَيَان الطّلب المخلص من حَيْثُ الحكم أَن التَّعَارُض إِنَّمَا يَقع للمدافعة بَين الْحكمَيْنِ فَإِن كَانَ الحكم الثَّابِت بِأحد النصين مدفوعا بِالْآخرِ لَا محَالة فَهُوَ التَّعَارُض حَقِيقَة وَإِن أمكن إِثْبَات حكم بِكُل وَاحِد من النصين سوى الحكم الآخر لَا تتَحَقَّق المدافعة فَيَنْتَفِي التَّعَارُض

وَبَيَان ذَلِك فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان} مَعَ قَوْله تَعَالَى {وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا كسبت قُلُوبكُمْ} فَبين النصين تعَارض من حَيْثُ الظَّاهِر فِي يَمِين الْغمُوس فَإِنَّهَا من كسب الْقُلُوب وَلكنهَا غير معقودة لِأَنَّهَا لم تصادف مَحل عقد الْيَمين وَهُوَ الْخَبَر الَّذِي فِيهِ رَجَاء الصدْق وَلَكِن انْتَفَى هَذَا التَّعَارُض بِاعْتِبَار الحكم فَإِن الْمُؤَاخَذَة الْمَذْكُورَة فِي قَوْله تَعَالَى {بِمَا عقدتم الْأَيْمَان} هِيَ الْمُؤَاخَذَة بِالْكَفَّارَةِ فِي الدُّنْيَا وَفِي قَوْله تَعَالَى {بِمَا كسبت قُلُوبكُمْ} الْمُؤَاخَذَة بالعقوبة فِي الْآخِرَة لِأَنَّهُ أطلق الْمُؤَاخَذَة فِيهَا والمؤاخذة الْمُطلقَة تكون فِي دَار الْجَزَاء فَإِن الْجَزَاء بوفاق الْعَمَل فَأَما فِي الدُّنْيَا فقد يبتلى الْمُطِيع ليَكُون تمحيصا لذنوبه وينعم على العَاصِي استدراجا فَبِهَذَا الطَّرِيق تبين أَن الحكم الثَّابِت فِي أحد النصين غير الحكم الثَّابِت فِي الآخر وَإِذا انْتَفَت المدافعة بَين الْحكمَيْنِ ظهر المخلص عَن التَّعَارُض

فَأَما المخلص بطرِيق الْحَال فبيانه فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن} بِالتَّخْفِيفِ فِي إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْن وبالتشديد فِي الْأُخْرَى فبينهما تعَارض فِي الظَّاهِر لِأَن حَتَّى للغاية وَبَين امتداد الشَّيْء إِلَى غَايَة وَبَين قصوره دونهَا مُنَافَاة والإطهار هُوَ الِاغْتِسَال وَالطُّهْر يكون بِانْقِطَاع الدَّم فَبين امتداد حُرْمَة القربان إِلَى الِاغْتِسَال وَبَين ثُبُوت حل القربان عِنْد انْقِطَاع الدَّم مُنَافَاة وَلَكِن بِاعْتِبَار الْحَال يَنْتَفِي هَذَا التَّعَارُض وَهُوَ أَن بِالتَّخْفِيفِ على حَال مَا إِذا كَانَ أَيَّامهَا عشرَة لِأَن الطُّهْر بالانقطاع إِنَّمَا يتَيَقَّن بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالة فَإِن الْحيض لَا يكون أَكثر من عشرَة أَيَّام فَأَما فِيمَا دون الْعشْرَة لَا يثبت الطُّهْر بالانقطاع بِيَقِين لتوهم أَن يعاودها الدَّم وَيكون ذَلِك حيضا فتمتد حُرْمَة القربان إِلَى الإطهار بالاغتسال

وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} فالتعارض يَقع فِي الظَّاهِر تحمل الْقِرَاءَة

<<  <  ج: ص:  >  >>