وَلَو كَانَ الْبَيَان عبارَة عَن الْعلم الْوَاقِع للمبين لما كَانَ هُوَ متمما للْبَيَان فِي حق النَّاس كلهم
وَقَول من يَقُول من أَصْحَابنَا حد الْبَيَان هُوَ الْإِخْرَاج عَن حد الْإِشْكَال إِلَى التجلي لَيْسَ بِقَوي فَإِن هَذَا الْحَد أشكل من الْبَيَان وَالْمَقْصُود بِذكر الْحَد زِيَادَة كشف الشَّيْء لَا زِيَادَة الْإِشْكَال فِيهِ ثمَّ هَذَا الْحَد لبَيَان الْمُجْمل خَاصَّة وَالْبَيَان يكون فِيهِ وَفِي غَيره
ثمَّ الْمَذْهَب عِنْد الْفُقَهَاء وَأكْثر الْمُتَكَلِّمين أَن الْبَيَان يحصل بِالْفِعْلِ من رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا يحصل بالْقَوْل
وَقَالَ بعض الْمُتَكَلِّمين لَا يكون الْبَيَان إِلَّا بالْقَوْل بِنَاء على أصلهم أَن بَيَان الْمُجْمل لَا يكون إِلَّا مُتَّصِلا بِهِ وَالْفِعْل لَا يكون مُتَّصِلا بالْقَوْل
فَأَما عندنَا بَيَان الْمُجْمل قد يكون مُتَّصِلا بِهِ وَقد يكون مُنْفَصِلا عَنهُ على مَا نبينه إِن شَاءَ الله تَعَالَى
ثمَّ الدَّلِيل على أَن الْبَيَان قد يحصل بِالْفِعْلِ أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بَين مَوَاقِيت الصَّلَاة للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بِالْفِعْلِ حَيْثُ أمه فِي الْبَيْت فِي الْيَوْمَيْنِ وَلما سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن مَوَاقِيت الصَّلَاة قَالَ للسَّائِل صل مَعنا ثمَّ صلى فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ فَبين لَهُ الْمَوَاقِيت بِالْفِعْلِ وَقَالَ لأَصْحَابه خُذُوا عني مَنَاسِككُم وَقَالَ صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَفِي هَذَا تنصيص على أَن فعله مُبين لَهُم وَلِأَن الْبَيَان عبارَة عَن إِظْهَار المُرَاد فَرُبمَا يكون ذَلِك بِالْفِعْلِ أبلغ مِنْهُ بالْقَوْل أَلا ترى أَنه أَمر أَصْحَابه بِالْحلقِ عَام الْحُدَيْبِيَة فَلم يَفْعَلُوا ثمَّ لما رَأَوْهُ حلق بِنَفسِهِ حَلقُوا فِي الْحَال فَعرفنَا أَن إِظْهَار المُرَاد يحصل بِالْفِعْلِ كَمَا يحصل بالْقَوْل