أول كَلَامه تنصيص على وجوب المَال فِي ذمَّته وَثمن الْخمر لَا يكون وَاجِبا فِي ذمَّة الْمُسلم بِالشِّرَاءِ فَيكون رُجُوعا
وعَلى هَذَا لَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم من ثمن جَارِيَة باعنيها إِلَّا أَنِّي لم أقبضها فَإِن على قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد يصدق إِذا كَانَ مَوْصُولا وَإِذا كَانَ مَفْصُولًا يسْأَل الْمقر لَهُ عَن الْجِهَة فَإِن قَالَ الْألف لي عَلَيْهِ بِجِهَة أُخْرَى سوى البيع فَالْقَوْل قَوْله وَالْمَال لَازم على الْمقر وَإِن قَالَ بِجِهَة البيع وَلكنه قبضهَا فَالْقَوْل حِينَئِذٍ قَول الْمقر أَنه لم يقبضهَا لِأَن هَذَا بَيَان تَغْيِير فَإِنَّهُ يتَأَخَّر بِهِ حق الْمقر لَهُ فِي الْمُطَالبَة بِالْألف إِلَى أَن يحضر الْجَارِيَة ليسلمها بِمَنْزِلَة شَرط الْخِيَار أَو الْأَجَل فِي العقد يكون مغير لمقْتَضى مُطلق العقد وَلَا يكون نَاسِخا لأصله فَيصح هَذَا الْبَيَان مِنْهُ مَوْصُولا وَإِذا كَانَ مَفْصُولًا فَإِن صدقه فِي الْجِهَة فقد ثبتَتْ الْجِهَة بتصادقهما عَلَيْهِ ثمَّ لَيْسَ فِي إِقْرَاره بِالشِّرَاءِ وَوُجُوب المَال عَلَيْهِ بِالْعقدِ إِقْرَار بِالْقَبْضِ فَكَانَ الْمقر لَهُ مُدعيًا عَلَيْهِ ابْتِدَاء تَسْلِيم الْمَبِيع وَهُوَ مُنكر لَيْسَ براجع عَمَّا أقرّ بِهِ فَجعلنَا القَوْل قَول الْمُنكر وَإِذا كذبه فِي الْجِهَة لم تثبت الْجِهَة الَّتِي ادَّعَاهَا وَقد صَحَّ تَصْدِيقه لَهُ فِي وجوب المَال عَلَيْهِ وَبَيَانه الَّذِي قَالَ إِنَّه من ثمن جَارِيَة لم يقبضهَا بَيَان تَغْيِير فَلَا يَصح مَفْصُولًا
وَأَبُو حنيفَة يَقُول هَذَا رُجُوع عَمَّا أقرّ بِهِ لِأَنَّهُ أقرّ بِأول كَلَامه أَن المَال وَاجِب لَهُ دينا فِي ذمَّته وَثمن جَارِيَة لَا يُوقف على أَثَرهَا لَا تكون وَاجِبَة عَلَيْهِ إِلَّا بعد الْقَبْض فَإِن الْمَبِيعَة قبل التَّسْلِيم إِذا صَارَت بِحَيْثُ لَا يُوقف على عينهَا بِحَال بَطل العقد وَلَا يكون ثمنهَا وَاجِبا
وَقَوله من ثمن جَارِيَة باعنيها وَلَكِنِّي لم أقبضها إِشَارَة إِلَى هَذَا فَإِن الْجَارِيَة الَّتِي هِيَ غير مُعينَة لَا يُوقف على أَثَرهَا وَمَا من جَارِيَة يحضرها البَائِع إِلَّا وَللْمُشْتَرِي أَن يَقُول الْمَبِيعَة غَيرهَا فَعرفنَا أَن آخر كَلَامه رُجُوع عَمَّا أقرّ بِهِ من وجوب المَال دينا فِي ذمَّته وَالرُّجُوع لَا يَصح مَوْصُولا وَلَا مَفْصُولًا
وعَلى هَذَا قَالَ أَصْحَابنَا فِي كتاب الشّركَة إِذا قَالَ لغيره بِعْت مِنْك هَذَا العَبْد بِأَلف دِرْهَم إِلَّا نصفه فَإِنَّهُ يَجْعَل هَذَا بيعا لنصف العَبْد بِجَمِيعِ الْألف وَلَو قَالَ عَليّ أَن لي نصفه يكون بَائِعا نصف العَبْد بِخَمْسِمِائَة لِأَنَّهُ إِذا قيد كَلَامه بِالِاسْتِثْنَاءِ يصير عبارَة عَمَّا وَرَاء الْمُسْتَثْنى وَإِنَّمَا أدخلهُ على الْمَبِيع
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute