للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي حد الْبكر فَإِنَّهُ أثْبته بقوله (الْبكر بالبكر جلد مائَة وتغريب عَام) وَمثل هَذِه الزِّيَادَة عندنَا نسخ وَعِنْده بَيَان بطرِيق التَّخْصِيص وَلَا يكون نسخا

فعلى هَذَا الْكَلَام يبتنى على ذَلِك الأَصْل

وسنقرر هَذَا بعد هَذَا

ثمَّ الْحجَّة لإِثْبَات جَوَاز نسخ الْكتاب بِالسنةِ قَوْله تَعَالَى {وأنزلنا إِلَيْك الذّكر لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم} فَإِن المُرَاد بَيَان حكم غير متلو فِي الْكتاب مَكَان حكم آخر وَهُوَ متلو على وَجه يتَبَيَّن بِهِ مُدَّة بَقَاء الحكم الأول وَثُبُوت حكم الثَّانِي والنسخ لَيْسَ إِلَّا هَذَا

وَالدَّلِيل على أَن المُرَاد هَذَا لَا مَا توهمه الْخصم فِي بَيَان الحكم الْمنزل فِي الْكتاب أَنه قَالَ تَعَالَى {مَا نزل إِلَيْهِم} وَلَو كَانَ المُرَاد الْكتاب لقَالَ مَا نزل إِلَيْك كَمَا قَالَ تَعَالَى {بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك} والمنزل إِلَى النَّاس الحكم الَّذِي أمروا باعتقاده وَالْعَمَل بِهِ وَذَلِكَ يكون تَارَة بِوَحْي متلو وَتارَة بِوَحْي غير متلو وَهُوَ مَا يكون مسموعا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا يُقَال إِنَّه سنته فقد ثَبت بِالنَّصِّ أَنه كَانَ لَا يَقُول ذَلِك إِلَّا بِالْوَحْي قَالَ تَعَالَى {وَمَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى} وَمعنى قَوْله {لَعَلَّهُم يتفكرون} أَي يتفكرون فِي حجج الشَّرْع ليقفوا بتفكرهم على الْحِكْمَة الْبَالِغَة فِي كل حجَّة أَو ليعرفوا النَّاسِخ من الْمَنْسُوخ

وَوجه الْحِكْمَة فِي تَبْدِيل الْمَنْسُوخ بالناسخ مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الْمَنَافِع للمخاطبين فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أَو يتَبَيَّن لَهُم إِرَادَة الْيُسْر والتوسعة لِلْأَمْرِ عَلَيْهِم أَو مَا يكون لَهُم فِيهِ من عَظِيم الثَّوَاب وَفِي هَذَا كُله لَا فرق بَين مَا يكون ثُبُوته بِوَحْي متلو وَبَين مَا يكون ثُبُوته بِوَحْي غير متلو وَفِيمَا تَلا من الْآيَة إِشَارَة إِلَى مَا قُلْنَا فَإِنَّهُ قَالَ تَعَالَى {قل مَا يكون لي أَن أبدله من تِلْقَاء نَفسِي إِن أتبع إِلَّا مَا يُوحى إِلَيّ} فَعرفنَا أَن المُرَاد بَيَان أَنه لَا يُبدل شَيْئا من تِلْقَاء نَفسه بِنَاء على مُتَابعَة الْهوى وَإِنَّمَا يُوحى إِلَيْهِ فَيتبع مَا يُوحى إِلَيْهِ ويبينه للنَّاس فِيمَا لَيْسَ بمنزل فِي الْقُرْآن وَلَكِن الْعبارَة فِيهِ مفوض إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيبينه بعبارته وَهُوَ حكم ثَابت من الله تَعَالَى بِدَلِيل مَقْطُوع بِهِ بِمَنْزِلَة الحكم المتلو فِي الْقُرْآن وَدَلِيل كَونه مَقْطُوعًا بِهِ مَا قَالَ إِن تصديقنا إِيَّاه فرض علينا من الله تَعَالَى وَكَذَلِكَ أَتْبَاعه لَازم بقوله تَعَالَى {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا}

<<  <  ج: ص:  >  >>