للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّلَام خلع نَعْلَيْه فِي الصَّلَاة فَخلع النَّاس نعَالهمْ فَلَمَّا فرغ قَالَ مَا لكم خلعتم نعالكم الحَدِيث

فَلَو كَانَ مُطلق فعله مُوجبا للمتابعة لم يكن لقَوْله مَا لكم خلعتم نعالكم معنى

وَخرج للتراويح لَيْلَة أَو لَيْلَتَيْنِ فَلَمَّا قيل لَهُ فِي ذَلِك قَالَ خشيت أَن تكْتب عَلَيْكُم وَلَو كتبت عَلَيْكُم مَا قُمْتُم بهَا فو كَانَ مُطلق فعله يلْزمنَا الِاتِّبَاع لَهُ فِي ذَلِك لم يكن لقَوْله خشيت أَن تكْتب عَلَيْكُم معنى

ثمَّ قد بَينا أَن الْمُوَافقَة حَقِيقَتهَا فِي أصل الْفِعْل وَصفته فَعِنْدَ الْإِطْلَاق إِنَّمَا يثبت الْقدر الْمُتَيَقن بِهِ وَهُوَ صفة الْإِبَاحَة فَإِنَّهُ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ التَّمَكُّن من إِيجَاد الْفِعْل شرعا فَيثبت الْقدر الْمُتَيَقن بِهِ (وَهُوَ صفة الْإِبَاحَة) من الْوَصْف ويتوقف مَا وَرَاء ذَلِك على قيام الدَّلِيل بِمَنْزِلَة رجل يَقُول لغيره وَكلتك بِمَالي فَإِنَّهُ يملك الْحِفْظ لِأَنَّهُ مُتَيَقن لكَونه مُرَاد الْمُوكل وَلَا يثبت مَا سوى ذَلِك من التَّصَرُّفَات حَتَّى يقوم الدَّلِيل يُقرر مَا ذكرنَا أَن الْفِعْل قِسْمَانِ أَخذ وَترك

ثمَّ أحد قسمي أَفعاله وَهُوَ التّرْك لَا يُوجب الِاتِّبَاع علينا إِلَّا بِدَلِيل فَكَذَلِك الْقسم الآخر

وَبَيَان هَذَا أَنه حِين كَانَ الْخمر مُبَاحا قد ترك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شربهَا أصلا ثمَّ ذَلِك لَا يُوجب علينا ترك الشّرْب فِيمَا هُوَ مُبَاح يُوضحهُ أَن مُطلق فعله لَو كَانَ مُوجبا لِلِاتِّبَاعِ لَكَانَ ذَلِك عَاما فِي جَمِيع أَفعاله وَلَا وَجه لِلْقَوْلِ بذلك لِأَن ذَلِك يُوجب على كل أحد أَن لَا يُفَارِقهُ آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار ليقف على جَمِيع أَفعاله فيقتدي بِهِ لِأَنَّهُ لَا يخرج عَن الْوَاجِب إِلَّا بذلك وَمَعْلُوم أَن هَذَا مِمَّا لَا يتَحَقَّق وَلَا يَقُول بِهِ أحد

فَعرفنَا أَن مُطلق الْفِعْل لَا يلْزمنَا اتِّبَاعه فِي ذَلِك

فَأَما الْآيَات فَفِي قَوْله {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة} دَلِيل على أَن التأسي بِهِ فِي أَفعاله لَيْسَ بِوَاجِب لِأَنَّهُ لَو كَانَ وَاجِبا لَكَانَ من حق الْكَلَام أَن يَقُول عَلَيْكُم فَفِي قَوْله {لكم} دَلِيل على أَن ذَلِك مُبَاح لنا لَا أَن يكون لَازِما علينا

وَالْمرَاد بِالْأَمر بالاتباع التَّصْدِيق وَالْإِقْرَار بِمَا جَاءَ بِهِ فَإِن الْخطاب بذلك لأهل الْكتاب وَذَلِكَ بَين فِي سِيَاق الْآيَة وَالْمرَاد بِالْأَمر مَا يفهم من مُطلق لفظ الْأَمر عِنْد

<<  <  ج: ص:  >  >>