فِي ثمار الْمَدِينَة إِلَّا بشري أَو بقري فَإِذا أعزنا الله تَعَالَى بِالدّينِ نعطيهم الدنية لَا نعطيم إِلَّا السَّيْف
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام إِنِّي رَأَيْت الْعَرَب قد رمتكم عَن قَوس وَاحِدَة فَأَرَدْت أَن أصرفهم عَنْكُم فَإِذا أَبَيْتُم أَنْتُم وَذَاكَ ثمَّ قَالَ للَّذين جَاءُوا للصلح اذْهَبُوا فَلَا نعطيكم إِلَّا السَّيْف وَلما قدم الْمَدِينَة استقبح مَا كَانُوا يصنعونه من تلقيح النخيل فنهاهم عَن ذَلِك فأحشفت وَقَالَ عهدي بثماركم بِخِلَاف هَذَا فَقَالُوا نَهَيْتنَا عَن التلقيح وَإِنَّمَا كَانَت جودة الثَّمر من ذَلِك
قَالَ أَنْتُم أعلم بِأَمْر دنياكم وَأَنا أعلم بِأَمْر دينكُمْ فَتبين أَن الرَّأْي مِنْهُ كالرأي من غَيره فِي احْتِمَال الْغَلَط وبالاتفاق لَا تجوز مُخَالفَته فِيمَا ينص عَلَيْهِ من أَحْكَام الشَّرْع فَعرفنَا أَن طَرِيق وُقُوفه على ذَلِك مَا لَيْسَ فِيهِ توهم الْغَلَط أصلا وَذَلِكَ الْوَحْي ثمَّ الرَّأْي الَّذِي فِيهِ توهم الْغَلَط إِنَّمَا يجوز الْمصير إِلَيْهِ عِنْد الضَّرُورَة وَهَذِه الضَّرُورَة تثبت فِي حق الْأمة لَا فِي حَقه فقد كَانَ الْوَحْي يَأْتِيهِ فِي كل وَقت وَمَا هَذَا إِلَّا نَظِير التَّحَرِّي فِي أَمر الْقبْلَة فَإِنَّهُ لَا يجوز الْمصير إِلَيْهِ لمن كَانَ بِمَكَّة معاينا للكعبة وَيجوز الْمصير إِلَيْهِ لمن كَانَ نَائِيا عَن الْكَعْبَة لِأَن من كَانَ معاينا فالضرورة المحوجة إِلَى التَّحَرِّي لَا تتَحَقَّق فِي حَقه لوُجُود الطَّرِيق الَّذِي لَا يتَمَكَّن فِيهِ تُهْمَة الْغَلَط وَهُوَ المعاينة وَكَذَلِكَ حَال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْعَمَل بِالرَّأْيِ فِي الْأَحْكَام وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ ينصب أَحْكَام الشَّرْع ابْتِدَاء والرأي لَا يصلح لنصب الحكم بِهِ ابْتِدَاء وَإِنَّمَا هُوَ لتعدية حكم النَّص إِلَى نَظِيره مِمَّا لَا نَص فِيهِ كَمَا فِي حق الْأمة لِأَنَّهُ لَا يجوز لأحد اسْتِعْمَال الرَّأْي فِي نصب حكم ابْتِدَاء فَعرفنَا أَنه إِنَّمَا كَانَ ينصب الحكم ابْتِدَاء بطرِيق الْوَحْي دون الرَّأْي وَهَذَا لِأَن الْحق فِي أَحْكَام الشَّرْع لله تَعَالَى فَإِنَّمَا يثبت حق الله تَعَالَى بِمَا يكون مُوجبا للْعلم قطعا والرأي لَا يُوجب ذَلِك وَبِه فَارق أَمر الْحَرْب والشورى فِي الْمُعَامَلَات لِأَن ذَلِك من حُقُوق الْعباد فالمطلوب بِهِ الدّفع عَنْهُم أَو الْجَرّ إِلَيْهِم فِيمَا تقوم بِهِ مصالحهم وَاسْتِعْمَال الرَّأْي جَائِز فِي مثله لحَاجَة الْعباد إِلَى ذَلِك فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي وسعهم فَوق ذَلِك وَالله تَعَالَى يتعالى عَمَّا يُوصف بِهِ الْعباد من الْعَجز أَو الْحَاجة فَمَا هُوَ حق الله تَعَالَى لَا يثبت ابْتِدَاء إِلَّا بِمَا يكون مُوجبا علم الْيَقِين
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute