وَإِن كَانَ (ذَلِك) منتهيا ببعث نَبِي آخر وَقد كَانَ يجوز اجْتِمَاع شرائع من قبلنَا مَعْمُولا بهَا بعد مبعثه لدعا النَّاس إِلَى الْعَمَل بذلك ولكان يجب عَلَيْهِ أَن يعلم ذَلِك أَصْحَابه ليتمكنوا من الْعَمَل بِهِ وَلَو فعل ذَلِك لنقل إِلَيْنَا نقلا مستفيضا وَالْمَنْقُول إِلَيْنَا مَنعه إيَّاهُم عَن ذَلِك فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنه (عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام (لما رأى صحيفَة فِي يَد عمر سَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ هِيَ التَّوْرَاة
فَغَضب حَتَّى احْمَرَّتْ وجنتاه وَقَالَ أمتهوكون كَمَا تهوكت الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالله لَو كَانَ مُوسَى حَيا مَا وَسعه إِلَّا اتباعي وَبِهَذَا اللَّفْظ يتَبَيَّن أَن الرَّسُول الْمُتَقَدّم ببعث رَسُول آخر يكون كالواحد من أمته فِي لُزُوم اتِّبَاع شَرِيعَته لَو كَانَ حَيا وَعَلِيهِ دلّ كتاب الله كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ} فَأخذ الْمِيثَاق عَلَيْهِم بذلك من أبين الدَّلَائِل على أَنهم بِمَنْزِلَة أمة من بعث آخرا فِي وجوب اتِّبَاعه وَبِهَذَا ظهر شرف نَبينَا عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ لَا نَبِي بعده فَكَانَ الْكل مِمَّن تقدم وَمِمَّنْ تَأَخّر فِي حكم المتبع لَهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْقلب يطيعه الرَّأْس ويتبعه الرجل
والفريق الثَّالِث استدلوا بِهَذَا الْكَلَام أَيْضا وَلَكِن بطرِيق أَن مَا كَانَ شَرِيعَة لمن قبلنَا يصير شَرِيعَة لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن تقدم فِي الْعَمَل بِهِ يكون مُتبعا لَهُ وَفِي حكم الْعَامِل بِشَرِيعَتِهِ من هَذَا الْوَجْه فَإِن الله تَعَالَى قَالَ {مِلَّة أبيكم إِبْرَاهِيم} وَقَالَ تَعَالَى {قل صدق الله فاتبعوا مِلَّة إِبْرَاهِيم} وَقَالَ تَعَالَى {وَهُوَ محسن وَاتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا} وَمَا يكون منتهيا مَنْسُوخا لَا يكون مُتبعا فبهذه النُّصُوص يتَبَيَّن أَنه مُتبع عَلَيْهِ السَّلَام وَيجب على النَّاس الْعَمَل بِهِ بطرِيق أَنه شَرِيعَة لَهُ حَتَّى يقوم دَلِيل نسخه فِي شَرِيعَته أَلا ترى أَنه قد اجْتمع نبيان فِي وَقت وَاحِد وَفِي مَكَان وَاحِد فِيمَن قبلنَا على أَن كَانَ أَحدهمَا تبعا للْآخر نَحْو هَارُون مَعَ مُوسَى وَلُوط مَعَ إِبْرَاهِيم كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَآمن لَهُ لوط} فَكَانَت الشَّرِيعَة وَأَنه مِلَّة إِبْرَاهِيم فَلم يبْق
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute