معنى ضَمَان النَّفس والأطراف بِالْمَالِ فِي حَالَة الْخَطَأ فَإِنَّهُ ثَابت بِالنَّصِّ من غير أَن يعقل فِيهِ الْمَعْنى لِأَنَّهُ لَا مماثلة بَين الْآدَمِيّ وَالْمَال صُورَة وَلَا معنى فالآدمي مَالك لِلْمَالِ وَالْمَال مَخْلُوق لإِقَامَة مصَالح الْآدَمِيّ بِهِ ثمَّ الشَّرْع أوجب الدِّيَة فِي الْقَتْل خطأ فَمَا عقل من ذَلِك إِلَّا معنى الْمِنَّة على الْقَاتِل بِتَسْلِيم نَفسه لَهُ لعذر الْخَطَأ وَمعنى الْمِنَّة على الْمَقْتُول لصيانة دَمه عَن الهدر وَإِيجَاب مَال يقْضِي بِهِ حَوَائِجه أَو حوائج ورثته الَّذين يخلفونه وَلِهَذَا لَا يُوجِبهُ مَعَ إِمْكَانه إِيجَاب الْمثل بِصفتِهِ وَهُوَ الْقصاص لِأَنَّهُ هُوَ الْمثل صُورَة وَمعنى فَالْمَعْنى الْمَطْلُوب هُوَ الْحَيَاة وَفِي الْقصاص حَيَاة لَا فِي المَال فَإِذا لم تكن هَذِه الْحَالة فِي معنى الْمَنْصُوص عَلَيْهِ من كل وَجه يتَعَذَّر إلحاقها بِهِ وَإِيجَاب المَال
وعَلى هَذَا الأَصْل لَو قتل من عَلَيْهِ الْقصاص إِنْسَان آخر لَا يضمن لمن لَهُ الْقصاص شَيْئا لِأَن ملك الْقصاص الثَّابِت لَهُ لَيْسَ بِمَال فَلَا يكون المَال مثلا لَهُ لَا صُورَة وَلَا معنى وَكَذَلِكَ لَو قتل زَوْجَة إِنْسَان لَا يضمن للزَّوْج شَيْئا بِاعْتِبَار مَا فَوت عَلَيْهِ من ملك النِّكَاح لِأَن ذَلِك لَيْسَ بِمَال فَلَا يكون المَال مثلا لَهُ صُورَة وَمعنى وَهَذَا لِأَن ملك النِّكَاح مَشْرُوع للسكن والنسل وَالْمَال بذلة لإِقَامَة الْمصَالح فَكيف يكون بَينهمَا مماثلة وَإِذا تحقق انعدام الْمثل تحقق الْفَوات
وعَلى هَذَا الأَصْل قُلْنَا شُهُود الْعَفو عَن الْقصاص إِذا رجعُوا لم يضمنوا شَيْئا وَكَذَلِكَ الْمُكْره للْوَلِيّ على الْعَفو بِغَيْر حق لَا يضمن شَيْئا لِأَنَّهُ أتلف عَلَيْهِ مَا لَيْسَ بِمَال مُتَقَوّم وَلَا وَجه لإِيجَاب الضَّمَان هُنَا صِيَانة لملكه فِي الْقصاص فالعفو مَنْدُوب إِلَيْهِ شرعا وإهدار مثله لَا يقبح
وَكَذَلِكَ قُلْنَا شُهُود الطَّلَاق بعد الدُّخُول إِذا رجعُوا لم يضمنوا للزَّوْج شَيْئا وَالْمكْره على الطَّلَاق بعد الدُّخُول كَذَلِك وَالْمَرْأَة إِذا ارْتَدَّت لَا تضمن للزَّوْج شَيْئا وَلَو جَامعهَا ابْن الزَّوْج لَا يضمن للزَّوْج شَيْئا لِأَنَّهُ أتلف عَلَيْهِ ملك النِّكَاح وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَال مُتَقَوّم فَلَا يكون المَال مثلا لَهُ صُورَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute