للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ الْقيَاس يَأْبَى جَوَاز السّلم بِاعْتِبَار أَن الْمَعْقُود عَلَيْهِ مَعْدُوم عِنْد العقد تَرَكْنَاهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ الرُّخْصَة الثَّابِتَة بقوله عَلَيْهِ السَّلَام (وَرخّص فِي السّلم) وَأما ترك الْقيَاس بِدَلِيل الْإِجْمَاع فنحو الاستصناع فِيمَا فِيهِ للنَّاس تعامل فَإِن الْقيَاس يَأْبَى جَوَازه تركنَا الْقيَاس للْإِجْمَاع على التَّعَامُل بِهِ فِيمَا بَين النَّاس من لدن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى يَوْمنَا هَذَا (وَهَذَا) لِأَن الْقيَاس فِيهِ احْتِمَال الْخَطَأ والغلط فبالنص أَو الْإِجْمَاع يتَعَيَّن فِيهِ جِهَة الْخَطَأ فِيهِ فَيكون وَاجِب التّرْك لَا جَائِز الْعَمَل بِهِ فِي الْموضع الَّذِي تعين جِهَة الْخَطَأ فِيهِ

وَأما التّرْك لأجل الضَّرُورَة فنحو الحكم بِطَهَارَة الْآبَار والحياض بَعْدَمَا نجست وَالْحكم بِطَهَارَة الثَّوْب النَّجس إِذا غسل فِي الإجانات فَإِن الْقيَاس يَأْبَى جَوَازه لِأَن مَا يرد عَلَيْهِ النَّجَاسَة يَتَنَجَّس بملاقاته تَرَكْنَاهُ للضَّرُورَة المحوجة إِلَى ذَلِك لعامة النَّاس فَإِن الْحَرج مَدْفُوع بِالنَّصِّ وَفِي مَوضِع الضَّرُورَة يتَحَقَّق معنى الْحَرج لَو أَخذ فِيهِ بِالْقِيَاسِ فَكَانَ متروكا بِالنَّصِّ

وَكَذَلِكَ جَوَاز عقد الْإِجَارَة فَإِنَّهُ ثَابت بِخِلَاف الْقيَاس لحَاجَة النَّاس إِلَى ذَلِك فَإِن العقد على الْمَنَافِع بعد وجودهَا لَا يتَحَقَّق لِأَنَّهَا لَا تبقى زمانين فَلَا بُد من إِقَامَة الْعين المنتفع بهَا مقَام الْإِجَارَة فِي حكم جَوَاز العقد لحَاجَة النَّاس إِلَى ذَلِك

ثمَّ كل وَاحِد مِنْهُمَا نَوْعَانِ فِي الْحَاصِل فأحد نَوْعي الْقيَاس مَا ضعف أَثَره وَهُوَ ظَاهر جلي وَالنَّوْع الآخر مِنْهُ مَا ظهر فَسَاده واستتر وَجه صِحَّته وأثره

وَأحد نَوْعي الِاسْتِحْسَان مَا قوي أَثَره وَإِن كَانَ خفِيا وَالثَّانِي مَا ظهر أَثَره وخفي وَجه الْفساد فِيهِ

وَإِنَّمَا يكون التَّرْجِيح بِقُوَّة الْأَثر لَا بالظهور وَلَا بالخفاء لما بَينا أَن الْعلَّة الْمُوجبَة للْعَمَل بهَا شرعا مَا تكون مُؤثرَة وَضَعِيف الْأَثر يكون سَاقِطا فِي مُقَابلَة قوي الْأَثر ظَاهرا كَانَ أَو خفِيا بِمَنْزِلَة الدُّنْيَا مَعَ العقبى

فالدنيا ظَاهِرَة والعقبى باطنة ثمَّ ترجح العقبى حَتَّى وَجب الِاشْتِغَال بطلبها والإعراض عَن طلب الدُّنْيَا لقُوَّة الْأَثر من حَيْثُ الْبَقَاء

<<  <  ج: ص:  >  >>