يتَحَقَّق الإغناء بِصفة الْحسن من الْغَنِيّ كَمَا يتَحَقَّق التَّمْلِيك من الْمَالِك وأحوال النَّاس تخْتَلف فِي صفة الْغنى بِالْمَالِ فَجعل الشَّرْع لذَلِك حدا وَهُوَ ملك النّصاب تيسيرا ثمَّ هَذَا الْغنى شَرط وجوب الْأَدَاء بِمَنْزِلَة أدنى التَّمَكُّن الَّذِي هُوَ شَرط وجوب الْأَدَاء من غير أَن يكون مغيرا صفة الْوَاجِب فَلهَذَا لَا يشْتَرط بَقَاؤُهُ لبَقَاء الْوَاجِب وَلَكِن بِقدر مَا بَقِي من المَال يبْقى الْوَاجِب بِصفتِهِ لبَقَاء صفة الْيُسْر فِيهِ وعَلى هَذَا قُلْنَا يسْقط الْعشْر بِهَلَاك الْخَارِج قبل الْأَدَاء لِأَن الْقُدْرَة الميسرة شَرط الْأَدَاء فِيهِ فالعشر مؤونة الأَرْض النامية وَلَا يجب إِلَّا بعد تحقق الْخَارِج فَإِنَّمَا يجب قَلِيل من كثير من النَّمَاء فَيكون الْأَدَاء بِصفة الْيُسْر وَذَلِكَ لَا يبْقى بعد هَلَاك الْخَارِج وَكَذَلِكَ الْخراج لَا يبْقى إِذا اصطلم الزَّرْع آفَة لِأَن وجوب الْأَدَاء بِاعْتِبَار الْقُدْرَة الميسرة وَلِهَذَا يتَقَدَّر الْوَاجِب بِحَسب الرّبع حَتَّى إِذا قل الْخَارِج لَا يجب من الْخَارِج أَكثر من نصف الْخَارِج إِلَّا أَن عِنْد التَّمَكُّن من الزِّرَاعَة إِذا لم يفعل جعلت الْقُدْرَة الميسرة كالموجود حكما بتقصير كَانَ مِنْهُ فِي الزِّرَاعَة وَذَلِكَ لَا يُوجد فِيمَا إِذا اصطلم الزَّرْع آفَة فَلَو بَقِي الْخراج كَانَ غرما وَلِهَذَا قُلْنَا لَا يسْقط الْعشْر بِمَوْت من عَلَيْهِ مَعَ بَقَاء الْخَارِج لِأَن الْقُدْرَة الميسرة لأَدَاء المالي بِالْمَالِ تكون وَهُوَ بَاقٍ بعد مَوته فَيجْعَل هُوَ كالحي حكما بِاعْتِبَار خَلفه وَيكون أَدَاء الْوَاجِب بِالصّفةِ الَّتِي يثبت بهَا الْوُجُوب ابْتِدَاء وَكَذَلِكَ الزَّكَاة لَا تسْقط بِمَوْتِهِ فِي أَحْكَام الْآخِرَة وَلِهَذَا يُؤمر بالإيصاء بِهِ وتؤدى من ثلث مَاله بعد مَوته إِذا أوصى لبَقَاء الْقُدْرَة الميسرة وَبِاعْتِبَار حَيَاته حكما وَبَقَاء الْمحل الَّذِي هُوَ خَالص حَقه وَهُوَ الثُّلُث فَيكون الْأَدَاء مِنْهُ بِصفة الْيُسْر إِلَّا أَنه إِذا لم يوص لَا يبْقى فِي أَحْكَام الدُّنْيَا بعد مَوته لِأَن الْوَاجِب أَدَاء الْعِبَادَة وَبِاعْتِبَار الْخلَافَة الَّتِي تثبت بعد مَوته لَا يُمكن تَحْقِيق هَذَا الْوَصْف لِأَن ذَلِك يثبت من غير اخْتِيَار لَهُ مِنْهُ وَفِي الْعشْر معنى الْعِبَادَة لما لم يكن مَقْصُودا بَقِي بعد مَوته وَإِن لم يوص بِهِ وَكَذَلِكَ الْخراج إِذا حصل الْخَارِج ثمَّ هلك قبل أَدَائِهِ وعَلى هَذَا قُلْنَا إِن الحانث فِي يَمِينه إِذا عجز عَن التَّكْفِير بِالْمَالِ يجوز لَهُ أَن يكفر بِالصَّوْمِ لِأَن وجوب الْكَفَّارَة بِاعْتِبَار الْقُدْرَة الميسرة أَلا ترى أَنه ثَبت التخير شرعا فِي أَنْوَاع التَّكْفِير
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute