وَتَفْسِير الْعَكْس لُغَة وَهُوَ رد الشَّيْء على سنَنه وَرَاءه مأخود من عكس الْمرْآة فَإِن نورها يرد نور بصر النَّاظر فِيمَا وَرَاءه على سنَنه حَتَّى يرى وَجهه كَأَن لَهُ فِي الْمرْآة وَجها وعينا يبصر بِهِ
وَكَذَلِكَ عكس المَاء نور الشَّمْس فَإِنَّهُ يرد نورها حَتَّى يَقع على جِدَار بِمُقَابلَة المَاء كَأَن فِي المَاء شمسا
ثمَّ الْعَكْس فِي الْعلَّة على وَجْهَيْن أَحدهمَا رد الحكم على سنَنه بِمَا يكون قلبا لعلته حَتَّى يثبت بِهِ ضد مَا كَانَ ثَابتا بِأَصْلِهِ نَحْو قَوْلنَا فِي الشُّرُوع فِي صَوْم النَّفْل إِن مَا يلْتَزم بِالنذرِ يلْتَزم بِالشُّرُوعِ كَالْحَجِّ وَعَكسه إِن مَا لَا يلْتَزم بِالنذرِ لَا يلْتَزم بِالشُّرُوعِ كَالْوضُوءِ فَيكون الْعَكْس على هَذَا الْمَعْنى ضد الطَّرْد وَهَذَا لَا يكون قادحا فِي الْعلَّة أصلا بل يصلح مرجحا لهَذَا النَّوْع من الْعلَّة على الْعلَّة الَّتِي تطرد وَلَا تنعكس على مَا نبينه فِي بَابه
وَالنَّوْع الآخر مَا يكون عكسا يُوجب الحكم لَا على سنَن حكم الأَصْل بل على مُخَالفَة حكم الأَصْل وَذَلِكَ نَحْو مَا يُعلل بِهِ الشَّافِعِي فِي أَن الصَّوْم عبَادَة لَا يمْضِي فِي فاسدها فَلَا تصير لَازِمَة بِالشُّرُوعِ فِيهَا كَالْوضُوءِ وَعَكسه الْحَج فَهَذَا التَّعْلِيل لَهُ نَظِير التَّعْلِيل الأول لنا وَنحن إِذا قُلْنَا بِأَن مَا يلْتَزم بِالنذرِ من الْعَادة يلْتَزم بِالشُّرُوعِ كَالْحَجِّ فَهُوَ يَقُول يَنْبَغِي أَن يَسْتَوِي حكم الشُّرُوع فِيهِ بنية النَّفْل وَحكم الشُّرُوع فِيهِ على ظن أَنه عَلَيْهِ كَالْحَجِّ فَيكون فِي هَذَا الْعَكْس نوع كسر لِلْعِلَّةِ حَيْثُ تمكن الْخصم بِهِ من إِثْبَات حكم هُوَ مُخَالف للْحكم الأول وَلكنه لَيْسَ بِقَوي فَإِن الحكم الَّذِي تعلقه مُجمل غير مُفَسّر وَمَا علقنا بِهِ من الحكم مُفَسّر فالمفسر أولى من الْمُجْمل ثمَّ هُوَ تعلق بِهِ حكم التَّسْوِيَة وَالْحكم الْمَقْصُود شَيْء آخر يخْتَلف فِيهِ الْفَرْع وَالْأَصْل على سَبِيل التضاد فَإِن فِي الأَصْل يستويان حَتَّى يجب الْقَضَاء فيهمَا وَفِي الْفَرْع عِنْده يستويان حَتَّى يسْقط الْقَضَاء فيهمَا وَإِنَّمَا يَسْتَقِيم هَذَا التَّعْلِيل إِذا كَانَ الْمَقْصُود عين التَّسْوِيَة وَلِأَنَّهُ فِي هَذَا