أَن يكون على قصد التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى {وَيَضَع عَنْهُم إصرهم والأغلال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم} وَفِي إِلْزَام خطاب الْأَدَاء قبل إِكْمَال الْعقل من معنى الْإِضْرَار والحرج مَا لَا يخفى
ثمَّ أصل الْعقل يعرف بالعيان وَذَلِكَ نَحْو أَن يخْتَار الْمَرْء فِي أَمر دُنْيَاهُ وأخراه مَا يكون أَنْفَع لَدَيْهِ وَيعرف بِهِ مستوى عَاقِبَة الْأَمر فِيمَا يَأْتِيهِ ويذره ونقصانه يعرف بالتجربة والامتحان وَبعد الترقي عَن دَرَجَة النُّقْصَان ظَاهرا تَتَفَاوَت أَحْوَال الْبشر فِي صفة الْكَمَال فِيهِ على وَجه يتَعَذَّر الْوُقُوف عَلَيْهِ فَأَقَامَ الشَّرْع اعْتِدَال الْحَال بِالْبُلُوغِ عَن عقل مقَام كَمَال الْعقل حَقِيقَة فِي بِنَاء إِلْزَام الْخطاب عَلَيْهِ تيسيرا عل الْعباد ثمَّ صَار صفة الْكَمَال الَّذِي يتَوَهَّم وجوده قبل هَذَا الْحَد سَاقِط الِاعْتِبَار وَبَقَاء توهم النُّقْصَان بعد هَذَا الْحَد كَذَلِك على مَا بَينا أَن السَّبَب الظَّاهِر مَتى قَامَ مقَام الْمَعْنى الْبَاطِن للتيسير دَار الحكم مَعَه وجودا وعدما وأيد هَذَا كُله قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (رفم الْقَلَم عَن ثَلَاث) وَالْمرَاد بالقلم الْحساب والحساب إِنَّمَا يكون بعد لُزُوم الْأَدَاء فَدلَّ أَن ذَلِك لَا يثبت إِلَّا بالأهلية الْكَامِلَة وَهُوَ اعْتِدَال الْحَال بِالْبُلُوغِ عَن عقل
وعَلى هَذَا قُلْنَا مَا يكون من حُقُوق الله تَعَالَى فَهُوَ صَحِيح الْأَدَاء عِنْد وجود الْأَهْلِيَّة القاصرة
وَذَلِكَ أَنْوَاع فَمِنْهَا مَا يكون صفة الْحسن مُتَعَيّنا فِيهِ على وَجه لَا يحْتَمل غَيره وَصفَة كَونه مَشْرُوعا مُتَعَيّن فِيهِ على وَجه لَا يحْتَمل أَن لَا يكون مَشْرُوعا بِحَال وَذَلِكَ نَحْو الْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى فَإِنَّهُ صَحِيح من الصَّبِي الْعَاقِل فِي أَحْكَام الدُّنْيَا وَالْآخِرَة جَمِيعًا لوُجُود حَقِيقَته بعد وجود الْأَهْلِيَّة للْأَدَاء فَإِن حَقِيقَته يكون بالتصديق بِالْقَلْبِ وَالْإِقْرَار بِاللِّسَانِ وَمن رَجَعَ إِلَى نَفسه علم أَنه فِي مثل هَذِه الْحَالة كَانَ يعْتَقد وحدانية الله تَعَالَى بِقَلْبِه وَالْإِقْرَار مِنْهُ مسموع لَا يشك فِيهِ وَلَا فِي كَونه صَادِقا فِيمَا يقر بِهِ وَالْحكم بِوُجُود الشَّيْء يبتنى على وجود حَقِيقَته