للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَن فِي ذَلِك ضَرَرا فيبتنى على الْأَهْلِيَّة الْكَامِلَة

والخصم يَقُول لما صَحَّ إِحْرَامه لزمَه الْجَزَاء بارتكاب الْمَحْظُورَات

وَكَذَلِكَ سَائِر الْكَفَّارَات على أَصله إِلَّا كَفَّارَة الْيَمين فَإِنَّهُ لَا تلْزمهُ لِأَن السَّبَب وَهُوَ الْيَمين لَا يتَحَقَّق مِنْهُ شرعا وَأما الْقَتْل بتحقق مِنْهُ وَقد تقدم بَيَان هَذَا النَّوْع فِيمَا يكون حَقًا لله تَعَالَى بطرِيق الْجَزَاء كحرمان الْمِيرَاث وَغَيره

ثمَّ على هَذَا الأَصْل تبتنى الْمُعَامَلَات الَّتِى يبتنى عَلَيْهَا حُقُوق الْعباد فَإِنَّهَا تَنْقَسِم ثَلَاثَة أَقسَام

مَا يتمخض مَنْفَعَة وَمَا يتمخض ضَرَرا وَمَا يتَرَدَّد بَين النفعة والمضرة

فَأَما مَا يتمحض مَنْفَعَة فنحو الإصطياد والإكتساب والإحتطاب فَإِنَّهُ مَشْرُوع بِاعْتِبَار الْأَهْلِيَّة القاصرة فِي حق الصبى مُفِيد لحكمه

وَكَذَلِكَ قبُول الْهِبَة وَالصَّدَََقَة وَالْقَبْض عندنَا فَإِن ذَلِك يتمحض مَنْفَعَة فَيكون ثَابتا فِي حَقه بالأهلية القاصرة

وَكَذَلِكَ لَو آجر الصبى نَفسه لعمل فَإِنَّهُ يَصح هَذَا العقد مِنْهُ لاسْتِحْقَاق الْأجر الْمُسَمّى بِقدر مَا يُقيم من الْعَمَل من غير أَن يتَعَلَّق بِشَرْط السَّلامَة من الْعَمَل بِخِلَاف العَبْد الْمَحْجُور إِذا آجر نَفسه فوجوب الْأُجْرَة هُنَاكَ تتَعَلَّق بِشَرْط السَّلامَة من الْعَمَل وَفِي حكم لُزُوم تَسْلِيم النَّفس لَا يَجْعَل مُبَاشرَة العقد من الصبى مُعْتَبرا قبل إِذن الولى لِأَن فِي ذَلِك معنى الضَّرَر وإنمات يبتنى على الْأَهْلِيَّة القاصرة مَا يتمحض مَنْفَعَة لَهُ كَمَا فِي حُقُوق الله تَعَالَى

وعَلى هَذَا قُلْنَا إِذا توكل عَن الْغَيْر بِالطَّلَاق وَالْعتاق فَإِنَّهُ يَصح ذَلِك مِنْهُ لِأَنَّهُ يتمحض مَنْفَعَة فِي حَقه لَا يشوبه ضَرَر فَإِن حَظه من ذَلِك صِحَة عِبَارَته شرعا وصلاحيته لبِنَاء الحكم عَلَيْهِ وَهَذَا أعظم وُجُوه الْمَنْفَعَة عِنْد الْعُقَلَاء خص الله تَعَالَى بِهِ بنى آدم وَمن عَلَيْهِم بِهِ فَقَالَ تَعَالَى {خلق الْإِنْسَان علمه الْبَيَان} وَقَالَ عَلَيْهِ السلامت الْمَرْء بأصغريه بِقَلْبِه وَلسَانه وَقَالَ الْقَائِل ... لِسَان الْفَتى نصف وَنصف فُؤَاده ... فَلم يبْق إِلَّا صُورَة اللَّحْم وَالدَّم ... فَعرفنَا أَن معرفَة الْبَيَان وَصِحَّة الْعبارَة من أعظم وُجُوه الإنتفاع بِهِ وَلِهَذَا صححنا مِنْهُ التَّوَكُّل عَن الْغَيْر بِالْبيعِ وَالشِّرَاء لَهُ فَإِن ذَلِك مَحْض مَنْفَعَة فِي حَقه لِأَنَّهُ يصير بِهِ مهتديا إِلَى التَّصَرُّفَات عَارِفًا بمواضع الْغبن والخسران ليتحرز مِنْهُ عِنْد حَاجته إِلَيْهِ وَقد أَشَارَ الله تَعَالَى إِلَى ذَلِك بقوله {وابتلوا الْيَتَامَى} وَلَا تلْزمهُ الْعهْدَة بِهَذَا التَّصَرُّف إِذْ لم يكن

<<  <  ج: ص:  >  >>