للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفُصُول على شَيْء مَعْلُوم فَإِنَّهُ يعْتَبر عِبَارَته فِي الِاخْتِيَار بَين الْأَبَوَيْنِ لإلزام الحكم بِهِ وَلَا يعْتَبر عِبَارَته فِي الحكم بِإِسْلَامِهِ إِذا سمع مِنْهُ الْإِقْرَار بِهِ وَلَا شكّ أَن الْمَنْفَعَة فِي هَذَا أظهر فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَتعْتَبر عِبَارَته فِي الْوَصِيَّة وَالتَّدْبِير وَلَا تعْتَبر فِي صِحَة البيع وَالشِّرَاء وَمعنى الْمَنْفَعَة فِيهِ أظهر مِنْهُ فِي الْوَصِيَّة وَإِنَّمَا لَهُ حرف وَاحِد يطرده فِي جَمِيع هَذِه الْفُصُول وَهُوَ أَن كل مَنْفَعَة يُمكن تحصليها لَهُ بِمُبَاشَرَة وليه لَا تعْتَبر عِبَارَته فِي ذَلِك وَمَا لَا يُمكن تَحْصِيله بِهِ بِمُبَاشَرَة وليه تعْتَبر عِبَارَته فِيهِ فالمنفعة الْمَقْصُودَة من البيع وَالشِّرَاء يُمكن تَحْصِيلهَا بِهِ بِمُبَاشَرَة الْوَلِيّ وَالْمَنْفَعَة الْمَطْلُوبَة بِالْوَصِيَّةِ لَا يُمكن تَحْصِيلهَا بِهِ بِمُبَاشَرَة الْوَلِيّ وَكَذَلِكَ الْمَنْفَعَة الَّتِي لَهُ بِاخْتِيَار أحد الْأَبَوَيْنِ لَا يُمكن تَحْصِيلهَا لَهُ بِمُبَاشَرَة الْوَلِيّ فَتعْتَبر عِبَارَته فِي ذَلِك وَالْمَنْفَعَة الْمَطْلُوبَة بِالْإِسْلَامِ يُمكن تَحْصِيلهَا بِهِ بِمُبَاشَرَة الْوَلِيّ فَإِنَّهُ يصير مُسلما بِإِسْلَام أحد الْأَبَوَيْنِ تبعا وَإِن كَانَ عَاقِلا فَلَا تعْتَبر عِبَارَته فِي ذَلِك

وَقرر الشَّافِعِي رَحمَه الله هَذَا من طَرِيق الْفِقْه فَقَالَ كَونه موليا عَلَيْهِ سمة الْعَجز وَكَونه وليا دَلِيل الْقُدْرَة وَبَينهمَا مُغَايرَة على سَبِيل المضادة فَلَا يجوز اجْتِمَاعهمَا

قَالَ الشَّافِعِي وَلِهَذَا لَا أصحح ردته بِنَفسِهِ لِأَن حكم الرِّدَّة فِي حَقه لما كَانَ يثبت بطرِيق التّبعِيَّة لِلْأَبَوَيْنِ يسْقط اعْتِبَار مُبَاشَرَته لذَلِك بِنَفسِهِ

ثمَّ قرر الشَّافِعِي رَحمَه الله هَذَا فَقَالَ إِذا أسلم أحد أَبَوَيْهِ يحكم بِإِسْلَامِهِ مَعَ كَونه مُعْتَقدًا للكفر بِنَفسِهِ فَإِذا كَانَ لَا يعْتَبر اعْتِقَاده فِي اسْتِدَامَة مَا كَانَ ثَابتا فِي حَقه فَلِأَن لَا يعْتَبر اعْتِقَاده فِي إِثْبَات مَا لم يكن ثَابتا كَانَ أولى

وَلَكنَّا نقُول هَذَا شَيْء نطرده من غير أَن نتبين صِحَّته بِدَلِيل شَرْعِي فَإِنَّهُ لَا مُنَافَاة بَين تَحْصِيل مَنْفَعَة لَهُ بِوَاسِطَة الْوَلِيّ فِي حَالَة وَبَين تَحْصِيل تِلْكَ الْمَنْفَعَة لَهُ بمباشرته بِنَفسِهِ فِي حَالَة أُخْرَى أَلا ترى أَنه يصير مُسلما بِإِسْلَام أَبِيه تَارَة وبإسلام أمه أُخْرَى وَإِنَّمَا تتَحَقَّق هَذِه (الْمُنَافَاة) فِي حَالَة وَاحِدَة وَنحن إِذا جَعَلْنَاهُ مُسلما بِإِسْلَام نَفسه لَا نجعله تبعا فِي تِلْكَ الْحَالة وَفِي الْحَال الَّذِي يكون تبعا لِأَبَوَيْهِ لَا يكون مُسلما بِإِسْلَام نَفسه وَمَا هَذَا إِلَّا نَظِير العَبْد يكون تبعا لمَوْلَاهُ فِي السّفر وَالْإِقَامَة فِي حَالَة وَاحِدَة

<<  <  ج: ص:  >  >>