وَأما الَّذين قَالُوا مُوجبه الْإِبَاحَة اعتبروا الِاحْتِمَال لكِنهمْ قَالُوا من ضَرُورَة الْأَمر ثُبُوت صفة الْحسن للْمَأْمُور بِهِ فَإِن الْحَكِيم لَا يَأْمر بالقبيح فَيثبت بمطلقه مَا هُوَ من ضَرُورَة هَذِه الصِّيغَة وَهُوَ التَّمْكِين من الْإِقْدَام عَلَيْهِ وَالْإِبَاحَة وَهَذَا فَاسد أَيْضا فصفة الْحسن بِمُجَرَّدِهِ تثبت بِالْإِذْنِ وَالْإِبَاحَة وَهَذِه الصِّيغَة مَوْضُوعَة لِمَعْنى خَاص فَلَا بُد أَن تثبت بمطلقها حسنا بِصفة وَيعْتَبر الْأَمر بِالنَّهْي فَكَمَا أَن مُطلق النَّهْي يُوجب قبح الْمنْهِي عَنهُ على وَجه يجب الِانْتِهَاء عَنهُ فَكَذَلِك مُطلق الْأَمر يَقْتَضِي حسن الْمَأْمُور بِهِ على وَجه يجب الائتمار
وَالَّذين قَالُوا بالندب ذَهَبُوا إِلَى أَن الْأَمر لطلب الْمَأْمُور بِهِ من الْمُخَاطب وَذَلِكَ يرجح جَانب الْإِقْدَام عَلَيْهِ ضَرُورَة
وَهَذَا التَّرْجِيح قد يكون بالإلزام وَقد يكون بالندب فَيثبت أقل الْأَمريْنِ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقن بِهِ حَتَّى يقوم الدَّلِيل على الزِّيَادَة وَهَذَا ضَعِيف فَإِن الْأَمر لما كَانَ لطلب الْمَأْمُور بِهِ اقْتضى مطلقه الْكَامِل من الطّلب إِذْ لَا قُصُور فِي الصِّيغَة وَلَا فِي ولَايَة الْمُتَكَلّم فَإِنَّهُ مفترض الطَّاعَة بِملك الْإِلْزَام
ثمَّ إِمَّا أَن يكون الْأَمر حَقِيقَة فِي الْإِيجَاب خَاصَّة فَعِنْدَ الْإِطْلَاق يحمل على حَقِيقَة أَو يكون حَقِيقَة فِي الْإِيجَاب وَالنَّدْب جَمِيعًا فَيثبت بمطلقه الْإِيجَاب لتَضَمّنه النّدب وَالزِّيَادَة لَا يجوز أَن يُقَال هُوَ للنَّدْب حَقِيقَة وللإيجاب مجَازًا لِأَن هَذَا يُؤَدِّي إِلَى تصويب قَول من قَالَ إِن الله لم يَأْمر بِالْإِيمَان وَلَا بِالصَّلَاةِ وَبطلَان هَذَا لَا يخفى على ذِي لب
وَمَا قَالُوا يبطل بِلَفْظ الْعَام فَإِنَّهُ يتَنَاوَل الثَّلَاثَة فَمَا فَوق ذَلِك ثمَّ عِنْد الْإِطْلَاق لَا يحمل على الْمُتَيَقن وَهُوَ الْأَقَل وَإِنَّمَا يحمل على الْجِنْس لتكثير الْفَائِدَة بِهِ
وَكَذَا صِيغَة الْأَمر وَلَو لم يكن فِي القَوْل بِمَا قَالُوا إِلَّا ترك الْأَخْذ بِالِاحْتِيَاطِ لَكَانَ ذَلِك كَافِيا فِي وجوب الْمصير إِلَى مَا قُلْنَا فَإِن الْمَنْدُوب بِفِعْلِهِ يسْتَحق الثَّوَاب وَلَا يسْتَحق بِتَرْكِهِ الْعقَاب وَالْوَاجِب يسْتَحق بِفِعْلِهِ الثَّوَاب وَيسْتَحق بِتَرْكِهِ الْعقَاب فَالْقَوْل بِأَن مُقْتَضى مُطلق الْأَمر الْإِيجَاب وَفِيه معنى الِاحْتِيَاط من كل وَجه أولى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute