للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وتقرأ قَول الله تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} وَقَوله {وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد} فَلَو فسرت الْآيَتَيْنِ على ظاهرهما دون أَي تَأْوِيل إجمالي أَو تفصيلي لالزمت كتاب الله تَعَالَى بالتناقض الْوَاضِع إِذْ كَيفَ يكوف مستويا على عَرْشه وَبِدُون تَأْوِيل وَيكون فِي الْوَقْت نَفسه أقرب من حَبل الوريد عرق فِي الْعُنُق بِدُونِ تَأْوِيل وتقرأ قَوْله تَعَالَى {أأمنتم من فِي السَّمَاء أَن يخسف بكم الأَرْض فَإِذا هِيَ تمور} وَقَوله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الأَرْض إِلَه} فَإِن فسرتهما على ظاهرهما أقحمت التَّنَاقُض أَيْضا فِي كتاب الله جلّ جَلَاله كَمَا هُوَ وَاضح وَلَكِن حِين تنزه الله تَعَالَى حِيَال جَمِيع هَذِه الْآيَات عَن مشابهة مخلوقة فِي أَن يتحيز فِي مَكَان وَتَكون لَهُ أبعاض وأعضاء وَصُورَة وشكل ثمَّ تكل تَفْصِيل الْمَقْصُود بِهَذِهِ النُّصُوص إِلَى الله جلّ جَلَاله تكون قد سلمت من التَّنَاقُض فِي الْفَهم وسلمت الْقُرْآن من توهم أَي تنَاقض فِيهِ

وَهَذِه هِيَ طَريقَة السّلف رَحِمهم الله تَعَالَى أَلا تراهم يَقُولُونَ أمروها بِلَا كَيفَ إِذْ لَوْلَا أَنهم يؤولونها تَأْوِيلا إجماليا بِالْمَعْنَى الَّذِي أوضحنا لما صَحَّ مِنْهُم أَن يَقُولُوا ذلكإذ لماذا يمرونها بِلَا كَيفَ وَدلَالَة اللُّغَة والصياغة الْعَرَبيَّة الْوَاضِحَة تمنع كل لبس أَو جهل سَوَاء فِي أصل الْمَعْنى أَو فِي كيفيته وَلَكنهُمْ أيقنوا أَن الْكَيْفِيَّة لَيست على ظَاهر مَا تدل عَلَيْهِ الصياغة الْعَرَبيَّة واللغة بِسَبَب مَا دلّت عَلَيْهِ الْآيَات المحكمة الْأُخْرَى

وَهَذَا تَأْوِيل إجمالي وَاضح إِلَّا أَنهم لم يقحموا أنفسهم فِي تَفْسِير هَذِه النُّصُوص بكيفيات أُخْرَى يلتزمونها وَهَذَا هُوَ التَّوَقُّف عَن التَّأْوِيل التفصيلي فَتَأمل ذَلِك فَإِنَّهُ دَقِيق وَهُوَ الْحق الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَن يلتبس عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ

وَمذهب الْخلف الَّذين جَاءُوا من بعدهمْ هُوَ تَأْوِيل هَذِه النُّصُوص بِمَا يَضَعهَا على صِرَاط وَاحِد من الْوِفَاق مَعَ النُّصُوص المحكمة الْأُخْرَى الَّتِي تقطع بتنزيه الله تَعَالَى عَن الْجِهَة وَالْمَكَان والجارحة ففسروا الاسْتوَاء فِي {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} بتسلط الْقُوَّة وَالسُّلْطَان وَهُوَ معنى ثَابت فِي اللُّغَة مَعْرُوف وفسروا الْيَدَيْنِ فِي الْآيَة الْأُخْرَى {لما خلقت بيَدي} {بل يَدَاهُ مبسوطتان} بِالْقُوَّةِ أَو بِالْكَرمِ وَالْعين فِي {ولتصنع على عَيْني} بالعناية وَالرِّعَايَة وفسروا الأصبعين فِي الحَدِيث إِن قُلُوب

<<  <   >  >>