للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

خَامِسًا نقُول لهَؤُلَاء قد ورد فِي الصَّحِيح أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ينزل رَبنَا كل ليله إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا حِين يبْقى ثلث اللَّيْل الْأَخير فَيَقُول من يدعوني فأستجيب لَهُ من يسألني فَأعْطِيه من يستغفرني فَأغْفِر لَهُ رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا فَكيف نَأْخُذ بِظَاهِر هَذَا الْخَبَر مَعَ أَن اللَّيْل مُخْتَلف باخْتلَاف الْمَشَارِق والمغارب فَإِذا كَانَ ينزل لأهل كل أفق نزولا حَقِيقِيًّا فِي ثلث ليلهم الْأَخير فَمَتَى يَسْتَوِي على عَرْشه حَقِيقَة كَمَا تَقولُونَ وَمَتى يكون فِي السَّمَاء حَقِيقَة كَمَا تَقولُونَ مَعَ أَن الأَرْض لَا تَخْلُو من اللَّيْل فِي وَقت من الْأَوْقَات وَلَا فِي سَاعَة من السَّاعَات كَمَا هُوَ ثَابت مسطور لَا يُمَارِي فِيهِ إِلَّا جهول مأفون

سادسا نقُول لهَؤُلَاء مَا قَالَه حجَّة الْإِسْلَام الْغَزالِيّ رَحمَه الله تَعَالَى وَنَصه نقُول للمتشبث بظواهر الْأَلْفَاظ إِذا كَانَ نُزُوله إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا ليسمعنا نِدَاء فَمَا أسمعنا نداءه فَأَي فَائِدَة فِي نُزُوله وَلَقَد كَانَ يُمكنهُ أَن ينادينا كَذَلِك وَهُوَ على الْعَرْش أَو على السَّمَاء الْعليا فَلَا بُد أَن يكون ظَاهر النُّزُول غير مُرَاد وَأَن المُرَاد شَيْء آخر غير ظَاهر وَهل هَذَا إِلَّا مثل من اراد وَهُوَ بالمشرق إسماع شخص فِي الْمغرب فَتقدم إِلَى الْمغرب بخطوات مَعْدُودَة وَأخذ يُنَادِيه وَهُوَ يعلم أَنه لَا يسمع نداءه فَيكون نَقله للأقدام عملا بَاطِلا وسعيه نَحْو الغرب عَبَثا صرفا لَا فَائِدَة فِيهِ وَكَيف يسْتَقرّ هَذَا فِي قلب عَاقل

الشُّبْهَة الثَّانِيَة وَدفعهَا

نقل السُّيُوطِيّ عَن بَعضهم أَنه قَالَ مَا الْحِكْمَة فِي إِنْزَال الْمُتَشَابه مِمَّن أَرَادَ لِعِبَادِهِ الْبَيَان وَالْهدى قُلْنَا إِن كَانَ أَي الْمُتَشَابه مِمَّا يُمكن علمه فَلهُ فَوَائِد مِنْهَا الْحَث للْعُلَمَاء على النّظر الْمُوجب للْعلم بغوامضه والبحث عَن دقائقه فَإِن استدعاء الهمم لمعْرِفَة ذَلِك من أعظم الْقرب وَمِنْهَا ظُهُور التَّفَاضُل وتفاوت الدَّرَجَات إِذْ لَو كَانَ كُله محكما لَا يحْتَاج إِلَى تَأْوِيل لاستوت منَازِل الْخلق وَلم يظْهر فضل الْعَالم على غَيره

وَإِن كَانَ أَي الْمُتَشَابه مِمَّا لَا يُمكن علمه أَي اسْتَأْثر الله تَعَالَى بِعِلْمِهِ فَلهُ فَوَائِد مِنْهَا ابتلاء الْعباد بِالْوُقُوفِ عِنْده والتوقف فِيهِ والتفويض وَالتَّسْلِيم والتعبد بالاشتغال بِهِ من جِهَة التِّلَاوَة كالمنسوخ وَإِن لم يجز الْعَمَل بِمَا فِيهِ وَإِقَامَة الْحجَّة عَلَيْهِم لِأَنَّهُ لما نزل بلسانهم ولغتهم وعجزوا عَن الْوُقُوف على مَعْنَاهُ مَعَ بلاغتهم

<<  <   >  >>