أَصْوَنَ لِنَفْسِهِ وَأَضْبَطَ لِحَاشِيَتِهِ وَأَعَفَّ لِسَانًا وَفَرْجًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُعْتَزِّ وَكَانَ رُبَّمَا عَبَثْنَا بِالْغَزَلِ فِي مَجْلِسِهِ فَيَجْرِي مَعَنَا فِيهِ فِيمَا لَا يَقْدَحُ بِهِ عَلَيْهِ قَادِحٌ وَكَانَ أَكْثَرَ مَا يَشْغَلُ بِهِ نَفْسَهُ سَمَاعُ الْغِنَاءِ وَكَانَ يَعِيبُ الْعِشْقَ كَثِيرًا وَيَقُولُ الْعِشْقُ طَرَفٌ مِنَ الْحُمْقِ
وَكَانَ إِذَا رَأَى مِنَّا مُطْرِفًا أَوْ مُفَكِّرًا اتَّهَمَهُ بِهَذَا الْمَعْنَى وَيَقُولُ وَقَعْتَ وَاللَّهِ يَا فُلانُ وَقَلَّ عَقْلُكَ وَسَخُفْتَ
إِلَى أَنْ رَأَيْنَاهُ وَقَدْ حَدَثَ بِهِ سَهْوٌ شَدِيدٌ وَفِكْرٌ دَائِمٌ وَزَفِيرٌ مُتَتَابِعٌ وَسَمِعْنَاهُ يُنْشِدُ أَشْعَارًا مِنْهَا
مَالِي أَرَى الثُّرَيَا ... وَلا أَرَى الرَّقِيبَا
يَا مُرْسِلا غَزَالا ... أَمَا تَخَافَ ذِيبَا
وَسَمِعْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى يُنْشِدُ وَهُوَ يَشْرَبُ فِي إِنَاءٍ قَدْ أَلِفَهُ فَاتَّهَمْنَاهُ فِيهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ هَذَا الشِّعْرَ
مَا قَلِيلٌ لِي مِنْكَ بِقَلِيلٍ ... يَا مُنَى نَفْسِي وَغَايَةَ سُولِي
سَلْ بِحَقِّ اللَّهِ عَيْنَكَ عَنِّي ... هَلْ أَحَسَّتْ فِي الْهَوَى تَقْبِيلِي
أَنْتَ أَفْسَدْتَ حَيَاتِي بِهَجْرٍ ... وَمَمَاتِي بِحِسَابٍ طَوِيلِ
وَأَنْشَدَ أَيْضًا
أَسَرَ الْحُبُّ أَمِيرًا ... لَمْ يَكُنْ قَبْلُ أَسِيرًا
فَارْحَمُوا ذُلَّ عَزِيزٍ ... صَارَ عَبْدًا مُسْتَجِيرَا
وَأَنْشَدَ أَيْضًا يَوْمًا وَقَدْ رَأَى دَارَ بَعْضِ النَّاس
أيا داركم فِيكِ مِنْ لَذَّةٍ ... وَعَيْشٍ لَنَا مَا كَانَ أَطْيَبَهْ
وَمِنْ قَيْنَةٍ أَفْسَدَتْ نَاسِكًا ... وَكَانَتْ لَهُ فِي التُّقَى مَرْتَبَهْ