للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَيْلَةٍ حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ مَضَى إِلَيْهَا فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهَا حَتَّى أَمْسَى ثُمَّ انْصَرَفَ فَبَاتَ بِأَطْوَلِ مِنْ لَيْلَتِهِ الأُولَى وَجَهَدَ أَنْ يُغْمِضَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ فَأَنْشَأَ يَقُولُ

نَهَارِي نَهَارُ النَّاسِ حَتَّى إِذَا بَدَا ... لِيَ اللَّيْلُ هَزَّتْنِي إِلَيْكِ الْمَضَاجِعُ

أَقْضِي نَهَارِي بِالْحَدِيثِ وَبِالْمُنَى ... وَيَجْمَعُنِي وَالْهَمَّ بِاللَّيْلِ جَامِعُ

وَأَدَامَ زِيَارَتَهَا وَتَرَكَ إِتْيَانَ كُلَّ مَنْ كَانَ يَأْتِيهِ

فَوَقَعَ فِي قَلْبِهَا مِثْلَ الَّذِي وَقَعَ فِي قَلْبِهِ فَجَاءَ يَوْمًا يُحَدِّثُهَا فَجَعَلَتْ تُعْرِضُ عَنْهُ وَتُقْبِلُ عَلَى غَيْرِهِ تُرِيدُ تَمْتَحِنَهُ وَتَعْلَمَ مَا فِي قَلْبِهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مِنْهَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ وَخَرَجَ فَلَمَّا خَافَتْ عَلَيْهِ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ فَقَالَتْ

كِلانَا مُظْهِرٌ لِلنَّاسِ بُغْضًا ... وَكُلٌّ عِنْدَ صَاحِبِهِ مَكِينُ

فَسُرِّيَ عَنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَقَالَتْ إِنَّمَا أَرَدْتُ امْتِحَانَكَ وَالَّذِي لَكَ عِنْدِي أَكْثَرُ مِنَ الَّذِي لِي عِنْدَكَ وَأَنَا مُعْطِيَةٌ اللَّهَ عَهْدًا إِنْ أَنَا جَالَسْتُ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا رَجُلا سِوَاكَ حَتَّى أَذُوقَ الْمَوْتَ إِلا أَنْ أُكْرَهَ عَلَى ذَلِكَ

فَانْصَرَفَ وَهُوَ أَسَرُّ النَّاسِ فَأَنْشَأَ يَقُولُ

أَظُنُّ هَوَاهَا تَارِكِي بِمُضِلَّةٍ ... مِنَ الأَرْضِ لَا مَالٌ لَدَيَّ وَلا أَهْلُ

وَلا أَحَدٌ أُفْضِي إِلَيْهِ وَصِيَّتِي ... وَلا وَارِثٌ إِلا الْمَطِيَّةُ وَالرَّحْلُ

مَحَا حُبُّهَا حُبَّ الأُلَى كُنَّ قَبْلَهَا وَحَلَّتْ مَكَانًا لَمْ يَكُنْ حُلَّ مِنْ قَبْلُ

<<  <   >  >>