الْجُلُوسَ فِي هَذِهِ الدَّارِ بَعْدَ صَاحِبَتِي وَلا الْمَقَامَ فِي الْبَلَدِ وَمَعِي مَالٌ عَظِيمٌ وَقُمَاشٌ فَتَفَضَّلْ بِأَخْذِهِ وَتَأَخْذُ الصَّبِيَّةَ وَتُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَثْمَانِ الأَمْتِعَةِ إِلَى أَنْ تَكْبُرَ الصَّبِيَّةُ فَإِنْ مَاتَتْ وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ لَكَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَإِنْ عَاشَتْ فَهُوَ يَكْفِيهَا إِلَى أَنْ تَبْلُغَ مَبْلَغَ النِّسَاءِ فَحِينَئِذٍ تُدَبِّرُ أَمْرَهَا بِمَا تَرَى وَأَنَا أَمْضِي بَعْدَ الدَّفْنِ فَأَخْرُجُ عَنِ الْبَلْدَةِ
فَوَعَظْتُهُ وَثَبَّتُّهُ فَلَمْ يَكُنْ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ فَنَقَلْتُ الصَّبِيَّةَ إِلَى بَيْتِي وَحَمَلَ الْجَِنَازَةَ وَأَنَا مَعَهُ أُسَاعِدُهُ فَلَمَّا صِرْنَا عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ قَالَ لِي تَتَفَضَّلُ وَتَبْتَعِدُ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُوَّدِعَهَا فَأَكْشِفَ وَجْهَهَا فَأَرَاهُ ثُمَّ أَدْفِنَهَا
فَفَعَلْتُ فَحَلَّ وَجْهَهَا وَأَكَّبَّ عَلَيْهَا يُقَبِّلُهَا ثُمَّ شَدَّ كَفَنَهَا وَأَنْزَلَهَا الْقَبْرَ ثُمَّ سَمِعْتُ صَيْحَةً مِنَ الْقَبْرِ فَفَزِعْتُ فَجِئْتُ فَاطَّلَعْتُ فَإِذَا هُوَ قَدْ أَخْرَجَ سَيْفًا كَانَ مُعَلَّقًا تَحْتَ ثِيَابِهِ مُجَرَّدًا وَأَنَا لَا أَعْلَمُ فَاتَّكَأَ عَلَيْهِ فَدَخَلَ فِي فُؤَادِهِ وَخَرَجَ مِنْ ظَهْرِهِ وَصَاحَ تِلْكَ الصَّيْحَةَ وَمَاتَ كَأَنَّهُ مَيِّتٌ مِنْ أَلْفِ سَنَةٍ فَعَجِبْتُ مِنْ ذَلِكَ عَجَبًا شَدِيدًا وَخِفْتُ أَنْ يُدْرَكَ فَيَصِيرَ قِصَّةً فَأَضْجَعْتُهُ فَوْقَهَا فِي اللَّحْدِ وَغَيَّبْتُ عَلَيْهِمَا اللَّبِنَ وَهِلْتُ التُّرَابَ وَأَحْكَمْتُ أَمْرَ الْقَبْرِ وَصَبَبْتُ عَلَيْهِ جِرَارَ مَاءٍ كَانَتْ لَنَا فِي الْمَكَانِ وَعُدْتُ فَنَقَلْتُ كُلَّ مَا كَانَ فِي الدَّار إِلَى دَاري وعزلته فِي بَيت وَخَتَمْتُهُ وَقُلْتُ هَذَا أَمْرٌ لَا بُدَّ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ عَاقِبَةٌ وَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ أَمَسَّ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَالْمَتَاعِ شَيْئًا وَكَانَ جَلِيلا يُسَاوِي أُلُوفَ دَنَانِيرَ وَأَحْتَسِبُ النَّفَقَةَ عَلَى هَذِهِ الطِّفْلَةِ وَأَعُدُّهَا مَلْقُوطَةً مِنَ الطَّرِيقِ رَبَّيْتُهَا لِلثَّوَابِ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَمَضَى عَلَى مَوْتِ الْغُلامِ وَالْجَارِيَةِ نَحْوُ سَنَةٍ فَإِنِّي لَجَالِسٌ عَلَى بَابِي يَوْمًا إِذِ اجْتَازَ شَيْخٌ عَلَيْهِ أَثَرُ النُّبْلِ وَالْيَسَارِ وَتَحْتَهُ بَغْلَةٌ فَارِهَةٌ وَبَيْنَ يَدَيْهِ غُلامٌ أَسْوَدُ فَسَلَّمَ وَوَقَفَ وَقَالَ مَا اسْمُ هَذَا الدَّرْبِ فَقُلْتُ دَرْبَ فَتْحٍ فَقَالَ أَنْتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute