وَكَنَسَ الْغُلامُ الدَّارَ وَرَشَّ وَجَلَسَ هُوَ وَمَضَى الْغُلامُ وَعَادَ بَعْدَ الْعَصْرِ وَمَعَهُ عِدَّةُ حَمَّالِينَ وَامْرَأَةٌ فَدَخَلُوا الدَّارَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ فَمَا سَمِعْنَا لَهُمْ حَرَكَةً وَخَرَجَ الْغُلامُ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَقِيَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي الدَّارِ فَمَا فَتَحَا الْبَابَ أَيَّامًا ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَقُلْتُ وَيْحَكَ مَالَكَ فَأَوْمَأَ إِلَيَّ أَنَّهُ مُسْتَتَرٌ مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ وَسَأَلَنِي أَنْ أَنْدُبَ لَهُ رجل يَبْتَاعُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ مَا يُرِيدُهُ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَفَعَلْتُ فَكَانَ يَخْرُجُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ فَيَزِنَ دَرَاهِمَ كَثِيرَةً فَيُعْطِيهَا لِلْغُلامِ الَّذِي نَصَّبْتُهُ لَهُ لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهَا مَا يَكْفِيهِ لِطُولِ تِلْكَ الأَيَّامِ مِنَ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالْفَاكِهَةِ وَالنَّبِيذِ وَالأَبْقَالِ وَيَصُبُّ الْمَاءَ فِي الْحُبَابِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي قَدْ أَعَدَّهَا لِتِلْكَ الأَيَّامِ وَلا يَفْتَحُ الْبَابَ أَوْ يَنْقَضِيَ ذَلِكَ الزَّادُ فَكَانَ عَلَى هَذَا سَنَةً وَلا يَجِيءُ إِلَيْهِ أَحَدٌ وَلا يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ أَحَدٌ وَلا أَرَاهُ أَنَا وَلا غَيْرِي إِلَى أَنْ جَاءَ فِي لَيْلَةٍ وَقْتَ الْمَغْرِبِ فَدَقَّ بَابِي فَخَرَجْتُ فَقُلْتُ مَالَكَ فَقَالَ اعْلَمْ أَنَّ زَوْجَتِي قَدْ ضَرَبَهَا الطَّلْقُ فَأَغِثْنِي بِقَابِلَةٍ وَكَانَ فِي دَارِي قَابِلَةٌ لأُمِّ أَوْلادِي فَحَمَلْتُهَا إِلَيْهِ فَأَقَامَتْ عِنْدَهُ لَيْلَتَهَا فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جَاءَتْنِي فَذَكَرَتْ أَنَّ امْرَأَتَهُ وَلَدَتْ فِي اللَّيْلِ بِنْتًا وَأَنَّهَا أَصْلَحَتْ أُمُورَهَا وَأَنَّ النُّفَسَاءَ فِي حَالَةِ التَّلَفِ وَعَادَتْ إِلَيْهَا فَلَمَّا كَانَ فِي وَقْتِ الظَّهِيرَةِ مَاتَتِ الْجَارِيَةُ فَجَاءَتِ الْقَابِلَةُ فَأَخْبَرَتْنَا فَقَالَ الله اللَّهَ أَنْ تَجِيئَنِي امْرَأَةٌ أَوْ يَلْطِمَ أَحَدٌ أَوْ يَجِيءَ أَحَدٌ مِنَ الْجِيرَانِ فَيُعَزِّيَنِي أَوْ يَصِيرَ لِي جَمْعٌ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ وَوَجَدْتُهُ مِنَ الْبُكَاءِ وَالشَّهِيقِ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ فَأَحْضَرْتُ لَهُ الْجَِنَازَةَ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ وَقَدْ كُنْتُ أَنْفَذْتُ مَنْ حَفَرَ قَبْرًا فِي مَقْبَرَةٍ قَرِيبًا مِنَّا فَانْصَرَفَ الْحَفَّارُونَ لَمَّا أَمْسَوْا وَقَدْ كَانَ وَافَقَنِي عَلَى صَرْفِهِمْ وَقَالَ لَا أُرِيدُ أَنْ يَرَانِي أَحَدٌ وَأَنَا وَأَنْتَ نَحْمِلُ الْجَِنَازَةَ إِنْ تَفَضَّلْتَ بِذَاكَ وَرَغِبْتُ فِي الثَّوَابِ وَنَلِيَ دَفْنَهَا فَاسْتَحْيَيْتُ وَقُلْتُ لَهُ أَفْعَلُ
فَلَمَّا قَرُبَتِ الْعَتْمَةُ خَرَجْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ تُخْرِجُ الْجَِنَازَةَ فَقَالَ تَتَفَضَّلُ أَوَّلا تَنْقُلُ هَذِهِ الصَّبِيَّةُ إِلَى دَارِكَ عَلَى شَرْطٍ قُلْتُ وَمَا هُوَ قَالَ إِنَّ نَفْسِي لَا تُطِيقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute