للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَعَ النَّاسِ فَإِذَا أَنَا بِفَتَى يَجُرُّ رُمْحَهُ بَيْنَ يَدَيَّ فَالْتَفَتُّ فَنَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ أَنْتَ دِعْبَلٌ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ اسْمَعْ مِنِّي بَيْتَيْنِ فَأَنْشَدَنِي

أَنَا فِي أَمْرِي رَشَادٌ ... بَيْنَ غَزْوٍ وَجِهَادِ

بَدَنِي يَغْزُو عَدُوِّي ... وَالْهَوَى يَغْزُو فُؤَادِي

ثُمَّ قَالَ كَيْفَ تَرَى قُلْتُ جَيِّدٌ قَالَ وَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ إِلا هَارِبًا مِنَ الْحُبِّ

ثُمَّ الْتَقَيْنَا فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ

وَقَدْ بَلَغَتْنَا هَذِهِ الْحِكَايَةُ عَنْ دِعْبَلٍ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ الدَّمَنِيِّ فِي غُزَاتِهِ الَّتِي حَارَبَ فِيهَا كَلْبَ الرُّومِ فَلَمَّا وَقَفَ الْجَيْشَانِ بَرَزَ عِلْجٌ مِنَ الرُّومِ فَقَتَلَ سَبْعَةً مِنَ مُبَارِزِي الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ جَعَلَ يَجُرُّ رُمْحَهُ وَيَطْلُبُ الْبِرَازَ فَلا يَبْرُزُ لَهُ أَحَدٌ فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْنَا وَخِفْنَا الْهَزِيمَةَ بَرَزَ غُلامٌ وَضِيءُ الْوَجْهِ ظَاهِرُ الْجَمَالِ لَهُ ذُؤَابَتَانِ مِنْ وَرَائِهِ فَبَارَزَ الْعِلْجَ فَقَتَلَهُ ثُمَّ ابْتَدَرَ إِلَيْهِ عَشْرَةٌ مِنْ عُلُوجِ الرُّومِ فَقَتَلَهُمْ وَرَدَّ الرُّومَ مُنْهَزِمِينَ فَقُتِلَ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سَبْعَةَ آلافِ رَجُلٍ وَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى الْغَنَائِمِ فَارْتَقَى الْغُلامُ رَابِيَةً وَنَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ وَأَخَذَ مِقْوَدَهُ بِيَدِهِ وَجَعَلَتْ دُمُوعُهُ تَنْحَدِرُ عَلَى الأَرْضِ كَالْقَطْرِ

قَالَ دِعْبَلٌ فَنَزَلْتُ عَنْ فَرَسِي فَقُلْتُ يَا بُنَيَّ قَدْ أَبْلَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَكِ هَذَا الْبَلاءُ لِلإِسْلامِ وَأَهْلِهِ أَلا أَرَاكَ تَتَعَرَّضُ لِشَيْءٍ مِنَ الْغَنَائِمِ وَأَنْتَ مِنَ الْبُكَاءِ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَأَعْلِمْنِي قَصَّتَكَ فَأَطْرَقَ سَاعَةً ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ

أَنَا فِي أَمْرِي رَشَادٌ ... بَيْنَ غَزْوٍ وَجِهَادِ

بَدَنِي يَغْزُو عَدُوِّي ... وَالْهَوَى يَغْزُو فُؤَادِي

ثُمَّ مَضَى وَلا أَعْرِفُ اسْمَهُ وَلا نَسَبَهُ

<<  <   >  >>