قَالَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ كَالْمُغْضَبِ وَهُوَ يَقُولُ لَسْتُ كَكُثَيِّرِ عَزَّةَ إِنَّ كُثَيِّرًا رَجُلٌ مَائِقٌ وَأَنَا رَجُلٌ وَامِقٌ وَلَكِنِّي كَأَخِي تَمِيمٍ حَيْثُ يَقُولُ
أَلا لَا يَضِيرُ الْحُبُّ مَا كَانَ ظَاهِرًا ... وَلَكِنَّ مَا اجْتَافَ الْفُؤَادُ يَضِيرُ
أَلا قَاتَلَ اللَّهُ الْهَوَى كَيْفَ قَادَنِي ... كَمَا قِيدَ مَغْلُولُ الْيَدَيْنِ أَسِيرُ
فَقُلْتُ لَهُ فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ عَنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أُصِيبَ مِنْكُمْ بِمُصِيبَةٍ فَلْيَذْكُرْ مُصَابَهُ بِي فَأَنْشَأَ يَقُولُ
أَلا مَا لِلْمَلِيحَةِ لَمْ تَعُدْنِي ... أَبُخْلٌ بِالْمَلِيحَةِ أَمْ صُدُودُ
مَرِضْتُ فَعَادَنِي أَهْلِي جَمِيعًا ... فَمَا لَكِ لَا تُرَيْ فِيمَنْ يَعُودُ
فَقَدْتُكِ بَيْنَهُمْ فَبَكَيْتُ شَوْقًا ... وَفَقْدُ الإِلْفِ يَا أَمَلِي شَدِيدُ
وَمَا اسْتَبْطَأْتُ غَيْرَكِ فَاعْلَمِيهِ ... وَحَوْلِي مِنْ ذَوِي رَحِمِي عَدِيدُ
وَلَوْ كُنْتِ الْمَرِيضَ لَكُنْتُ أَسْعَى ... إِلَيْكِ وَمَا يُهَدِّدُنِي الْوَعِيدُ
قَالَ ثُمَّ شَهَِقَ شَهْقَةً وَخَفَتَ فَمَاتَ
فَبَكَتِ الْعَجُوزُ وَقَالَتْ فَاضَتْ وَاللَّهِ نَفْسُهُ فَدَخَلَنِي أَمْرٌ لَمْ يَدْخُلْنِي مِثْلُهُ فَلَمَّا رَأَتِ الْعَجُوزُ مَا حَلَّ بِي قَالَتْ يَا فَتَى لَا ترع مَا ت وَاللَّهِ وَلَدِي بِأَجَلِهِ وَاسْتَرَاحَ مِنْ تَبَارِيحِهِ وَغُصَصِهِ ثُمَّ قَالَتْ هَلْ لَكَ فِي اسْتِكْمَالِ الصَّنْعَةِ قُلْتُ قُولِي مَا أَحْبَبْتِ
قَالَتْ تَأْتِي الْبُيُوتَ فَتَنْعَاهُ إِلَيْهِمْ لِيُعَاوِنُونِي عَلَى رَمْسِهِ فَإِنِّي وَحِيدَةٌ
قَالَ فَرَكِبْتُ نَحْوَ الْبُيُوتِ فَرَسِي فَإِذَا أَنَا بِجَارِيَةٍ أَجْمَلُ مَا رَأَيْتُ مِنَ النِّسَاءِ نَاشِرَةً شَعْرَهَا حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ فَقَالَتْ بِفِيكَ الْحَجَرُ الْمُصْلَتُ مَنْ تَنْعِي قُلْتُ أَنْعِي فُلانًا
قَالَت أوقد مَاتَ قُلْتُ إِي وَاللَّهِ قَدْ مَاتَ
قَالَتْ فَهَلْ سَمِعْتَ لَهُ قَوْلا
قُلْتُ اللَّهُمَّ لَا إِلا شِعْرًا