للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَخَشِيَتْ أَنْ تُبْدِيَ بِهِ وَقَفَتْ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ الَّتِي كَانَ يَمُرُّ فِيهَا فَقَالَتْ

أَلا أَيُّهَا السَّاهِي وَلَيْسَ بِذِي سَهْوٍ ... رُوَيْدَكَ إِنِّي عَنْكَ لَسْتُ بِذِي لَهْوِ

قَالَ فَوَقَفَ فَقَالَ لَهَا مَا حَاجَتُكِ فَقَالَتْ أَتُنْصِفُ مِنْ نَاظِرِكَ أَمْ تجوز عَلَيْهِ فِي حُكْمِكَ إِذْ صَيَّرَ أَمْرَهُ إِلَيْكَ

فَقَالَ لَهَا وَيْحَكِ إِنِّي قَدْ أَنْكَرْتُ مَقَالَتَكِ إِنْكَارًا شَدِيد وَاسْتَوْحَشَتْ مِنْهَا جَوَارِحِي وَمَا أَجِدُ إِلَى الْوُقُوفِ مَعَكِ سَبِيلا أَحَتَجُّ بِهِ عِنْدَ رَبِّي غَدًا ثُمَّ وَلَّى وَتَرَكَهَا

فَأَتَى مَنْزِلَهُ مَغْمُومًا منا فَلَزِمَ مَنْزِلَهُ فَكَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ حَذَارًا أَنْ يَلْقَاهَا فَتُكَلِّمَهُ

قَالَ وَكَانَتِ امْرَأَةً ذَاتَ جَمَالٍ وَهَيْبَةٍ وَجَعَلَتْ تَطْلُبُهُ وَتَسْأَلُ عَنْهُ مَنْ يَعْرِفُهُ فَيُخْبِرُهَا أَنَّهُ قَدْ لَزِمَ بَيْتَهُ فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهَا كَتَبَتْ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ

تَقُولُ الَّتِي قَدْ شَفَّهَا حُبُّ نَاسِكٍ ... وَأَمْرَضَهَا حَتَّى تَغَيَّرَ حَالُهَا

وَصَيَّرَهَا مِثْلَ الْقَضِيبِ بِرَوْضَةٍ ... تُزَعْزِعُهُ ضَعْفًا هُنَاكَ شَمَالُهَا

وَخَلاهُ لِلأَحْزَانِ فَرْدًا معذبا ... وَمَالِي وَالْأَحْزَان مَالِي وَمَالهَا

أَفِي النُّسْكِ أَنْ لَا تَرْحَمَ الْيَوْمَ عَاشِقًا ... شَكَا حُرْقَةً فِي الْقَلْبِ مِنْ ظَالِمٍ لَهَا

قَالَ وَبَعَثَتْ بِهَا إِلَيْهِ وَقَالَتْ لِلرَّسُولِ أخبريه بِمَا ترى مِنْ شِدَّةِ الأَلَمِ فَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُسَهِّلَ أَمْرَهُ وَيُعَطِّفَ قَلْبَهُ وَلا تُقَصِّرِي فِي تَرْغِيبِهِ فِيَّ وَمَاله فِي ذَلِكَ مِنَ الأَجْرِ

قَالَ فَأَتَتْهُ الْمَرْأَةُ فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهَا فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ وَقَالَتْ أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنِّي قَدْ حَمَلْتُ نَفْسِي عَلَى أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِي غَيْرَ أَنِّي تَحَمَّلْتُهُ

<<  <   >  >>