للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَا بَدْرُ قَدْ أَشْجَيْتَنِي وَتَرَكْتَنِي ... فِي كُرْبَةٍ تَعْتَادَنِي وَنَحِيبِ

بِأَبِي وَأمي من كريم سيد ... جَزِلِ الْعَطَايَا لِلأُلُوفِ وَهُوبِ

لَهَفِي عَلَيْكَ إِذَا الْحُرُوبِ تَسَعَّرَتْ ... وَتَضَرَّمَتْ وَتَلَهَّبَتْ بِلَهِيبِ

فَلأُبْكِيَنَّكَ مَا بَقِيتُ بِلَوْعَةٍ ... وَأَشُقُّ مِنْ جَزَعٍ عَلَيْكَ جُيُوبِي

أَبْكِيكَ يَا بَدْرًا بِعَيْنٍ سَحَّةٍ ... وَغَلِيلِ قَلْبٍ مُوجَعٍ مَكْرُوبِ

لَا خَيْرَ لِي يَا بَدْرُ بَعْدَكَ فِي الْبَقَا ... مَا خَيْرُ عَيْشٍ بَعْدَ هُلْكِ حَبِيبِ

وَلَمْ تَزَلْ مُقِيمَةً عَلَى قَبْرِهِ تُقَلِّبُ عَلَيْهِ وَتَبْكِي حَتَّى مَاتَتْ فَدُفِنَتْ هُنَاكَ إِلَى جَانِبِهِ

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الأَصْبَهَانِيُّ بَلَغَنِي أَنَّ فَتًى مِنَ الأَعْرَابِ يُقَالُ لَهُ امْرُؤُ الْقَيْسِ هَوَى فَتَاةً مِنَ الْحَيِّ فَلَمَّا وَقَفَتْ عَلَى أَنَّهُ يُحِبُّهَا هَجَرَتْهُ فَزَالَ عَقْلُهُ وَخُولِطَ وَأَشْفَى عَلَى التَّلَفِ وَصَارَ رَحْمَةً لِلنَّاسِ فَلَمَّا بَلَغَ الْمَرْأَةَ حَالُهُ وَمَا هُوَ فِيهِ أَتَتْ فَأَخَذَتْ بِعَضَادَتَيِ الْبَابِ فَقَالَتْ كَيفَ تجدك يَا امْرُؤ الْقَيْسِ فَقَالَ

دَنَتِ وَظِلالُ الْمَوْتِ بَيْنِي وَبَيْنَهَا ... وَأَدْلَتْ بِوَصْلٍ حِينَ لَا يَنْفَعُ الْوَصْلُ

ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ إِلا يَسِيرًا حَتَّى مَاتَ

وَقَالَ الرَّيَّانُ بْنُ عَلِيٍّ الأَدِيبُ عَشِقَ فَتًى مِنْ أَبْنَاءِ بَعْضِ أَصْدَقَائِي جَارِيَةً فَأَنْحَلَهُ الْعِشْقُ وَتَيَّمَهُ فَزَالَ عَقْلُهُ وَأَخَذَ فِي الْهَجْرِ وَالْهَذَيَانِ فَمَرَرْتُ بِهِ ذَاتَ يَوْمٍ فِي بَعْضِ الْخَرَابَاتِ فَقُلْتُ لَهُ أَبَا فُلانٌ مَا حَالُكَ فَقَالَ أَسْوَأُ حَالٍ عَقْلٌ هَائِمٌ وَغَمٌّ لازِمٌ وَفِكْرٌ دَائِمٌ ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ

تَيَّمَنِي حُبُّهَا وَأَضْنَانِي ... وَفِي بِحَارِ الْهُمُومِ أَلْقَانِي

كَيْفَ احْتِيَالِي وَلَيْسَ لِي جَلَدٌ ... فِي دَفْعِ مَا بِي وَكَشْفِ أَحْزَانِي

يَا رَبِّ فَاعْطِفْ بِقَلْبِهَا فَعَسَى ... تَرْحَمُ ضَعْفِي وَطُولَ أَشْجَانِي

<<  <   >  >>