للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَا بَدْرُ إِنَّكَ قَدْ شَقَيْتَ بِمَا تَرَى ... كَتَبَ الإِلَهُ عَلَيْكَ مَا لَا يُدْفَعُ

أَبْصَرْتَ عِنْدَ الْبَيْتِ خَوْدًا غَادَةً ... ذَهَبَتْ بِعَقْلِكَ فَالرُّقَى لَا تَنْفَعُ

ثُمَّ ارْتَحَلَ مَعَهَا إِلَى الْكُوفَةِ فَنَزَلَتْ فِي قَصْرِ حَاجِبٍ فَكَانَ يَجْلِسُ بِحِذَاءِ الْقَصْرِ وَيَقُولُ

يَا قَصْرُ حَاجِبَ قَدْ أَصْبَحْتَ لِي سِجْنًا ... لَمْ يَبْقَ مِنْ فِيكَ لِي سَمْعًا وَلا بَصَرَا

يَا قَصْرُ حَاجِبَ هَلْ لِي فِيكَ مِنْ طَمَعٍ ... أَمْ ذَاكَ مِنْكَ فَدَتْكَ النَّفْسُ قَدْ عُسِرَا

اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مَا ذَكَرْتُكُمُ ... إِلا تَرَقْرَقَ مَاءُ الْعَيْنِ فَانْحَدَرَا

وَنَظَرَ يَوْمًا إِلَى حَمَامٍ عَلَى سَطْحِ الْقَصْرِ قَدْ سَقَطَ إِلَيْهِ حَمَامٌ فَأَنْشَأَ يَقُولُ

قَدْ بَدَا الصُّبْحُ لِي بِشَيْءٍ مَلِيحٍ ... فَرَّجَ الْكَرْبَ عَنْ فُؤَادٍ قَرِيحِ

مِنْ حَمَامٍ رَأَيْتُهُ حِينَ أَوْفَى ... فَوْقَ سَطْحٍ يَدْعُو بِصَوْتٍ فَصِيحِ

فَأَتَتْهُ حَمَامَةٌ فَدَنَتْ مِنْهُ ... دُنُوًا بِغَيْرِ أَمْرٍ قَبِيحِ

فَزَجَرَتِ الْحَمَامَ نَفْسِي يَقِينًا ... وَزَجَرَتِ الأُخْرَى شَقِيقَةُ رُوحِي

فَاتَّصَلَ خَبَرُهُ بِهَا وَكَثُرَ مَنْ يَعْذُلُهُ عَلَى مَا يُلْزِمُهُ نَفْسَهُ مِنْ أَمْرِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَأَنْشَأَ يَقُولُ

أَيُّهَا الْعَاذِلُونَ بِاللَّهِ كُفُّوا ... عَنْ مَلامِي فَقَدْ خَلَعْتُ الْعَذَارَا

لَسْتُ وَاللَّهِ قَابِلا مِنْ عَذُولٍ ... مَا بِهِ فِي الْهَوَى عَلَيَّ أَشَارَا

وَكَانَ بَدْرٌ مَعْرُوفًا بِالشِّجَاعَةِ وَالنَّجْدَةِ وَالْعَقْلِ وَالْبَيَانِ فَأُدْخِلَ عَلَى الْحَجَّاجِ فَخَاطَبَهُ فَأُعْجِبَ بِهِ وَغَلَبَ عَلَى قَلْبِهِ وَأَحْسَنَ رِفْدَهُ وَأَخْرَجَهُ فِيمَنْ أُخْرِجَ إِلَى قِتَالِ ابْنِ الأَشْعَثِ فَعَمِلَ فِي الْحَرْبِ عَمَلا عُجِبَ مِنْهُ فِيهِ وَأَكْثَرَ الْقَتْلَ فِي أَصْحَابِ ابْنِ الأَشْعَثِ وَعَظُمَتِ الْجِرَاحَ بِهِ فَقَالَ وَهُوَ بِآخِرِ رُمْقٍ احْمِلُونِي إِلَى الْكُوفَةِ فَادْفِنُونِي بِهَا فَفُعِلَ ذَلِكَ بِهِ فَاتَّصَلَ خَبَرُهُ بِنُعْمَ فَأَتَتْ قَبْرَهُ وَأَنْشَأَتْ تَقُولُ

يَا مَنْ لِعَيْنٍ بِالدِّمُوعِ سَكُوبِ ... تَبْكِي قَتِيلا ثَاوِيًا بِقَلِيبِ

<<  <   >  >>