فَأَجَابَتْهُ بِبُكَاءٍ وَانْتِحَابٍ
قَدْ سَمِعْنَا الَّذِي تَقُولُ وَمَا قَدْ ... خِفْتُهُ يَا غَسَّانُ مِنْ أُمِّ عُقْبَهْ
أَنَا مِنْ أَحْفَظِ النِّسَاءِ وَأَرْعَاهُ ... لِمَا قَدْ أَوْلَيْتَ مِنْ حُسْنِ صُحْبَهْ
سَوْفَ أَبْكِيكَ مَا حَيِيتُ بِشَجْوٍ ... وَمَرَاثٍ أَقُولُهَا وَبِنُدْبَهْ
قَالَ فَلَمَّا قَالَتْ ذَلِكَ طَابَتْ نَفْسُهُ وَفِي النَّفْسِ مَا فِيهَا فَقَالَ
أَنَا وَاللَّهِ وَاثِقٌ مِنْكِ لَكِنْ ... رُبَّمَا خِفْتُ مِنْكِ غَدْرَ النِّسَاءِ
بَعْدَ مَوْتِ الأَزْوَاجِ يَا خَيْرَ من عوشر ... فارعمى حَقِّي بِحُسْنِ الْوَفَاءِ
إِنَّنِي قَدْ رَجَوْتُ أَنْ تَحْفَظِي الْعَهْدَ ... فَكُونِي إِنْ مِتُّ عِنْدَ الرَّجَاءِ
ثُمَّ اعْتُقِلَ لِسَانُهُ فَلَمْ يَنْطِقْ حَتَّى مَاتَ
فَلَمْ تَلْبَثْ إِلا قَلِيلا حَتَّى خُطِبَتْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَرَغَبَتْ فِيهَا الأَزْوَاجُ لاجْتِمَاعِ الْخِصَالِ الْفَاضِلَةِ فِيهَا مِنَ الْعَقْلِ وَالْجَمَالِ وَالْعَفَافِ وَالْحَسَبِ فَقَالَتْ مُجِيبَةً لَهُمْ
سَأَحْفَظُ غَسَّانًا عَلَى بُعْدِ دَارِهِ ... وَأَرْعَاهُ حَتَّى نَلْتَقِي يَوْمَ نُحْشَرُ
وَإِنِّي لَفِي شُغْلٍ عَنِ النَّاسِ كُلِّهِمْ ... فَكُفُّوا فَمَا مِثْلِي بِمَنْ مَاتَ يَغْدِرُ
سَأَبْكِي عَلَيْهِ مَا حَيِيتُ بِعَبْرَةٍ ... تَجُولُ عَلَى الْخَدَّيْنِ مِنِّي فَتَكْثِرُ
فَيَئِسَ النَّاسُ مِنْهَا حِينًا فَلَمَّا مَرَّتْ بِهَا الأَيَّامُ نَسِيَتْ عَهْدَهُ وَقَالَتْ مَنْ مَاتَ فَقَدْ فَاتَ فَأَجَابَتْ بَعْضَ خُطَّابِهَا فَتَزَوَّجَهَا فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَرَادَ الدُّخُولَ بِهَا جَاءَهَا غَسَّانُ فِي النَّوْمِ وَقَدْ أَغْفَتْ فَقَالَ
غَدَرْتِ وَلَمْ تَرْعَيْ لِبَعْلِكِ حُرْمَةً ... وَلَمْ تَعْرِفِي حَقًّا وَلَمْ تَحْفَظِي عَهْدَا
وَلَمْ تَصْبِرِي حَوْلا حِفَاظًا لِصَاحِبٍ ... حَلَفْتِ لَهُ يَوْمًا وَلَمْ تُنْجِزِي وَعْدَا
غَدَرْتِ بِهِ لَمَّا ثَوَى فِي ضَرِيحِهِ ... كَذَلِكَ يُنْسَى كُلُّ مَنْ سَكَنَ اللَّحْدَا
فَلَمَّا قَالَ هَذِهِ الأَبْيَاتُ انْتَبَهَتْ مُرْتَاعَةً مُسْتَحِيِيَةُ مِنْهُ كَأَنَّهُ بَاتَ مَعَهَا فِي جَانِبِ