فَذَلِك لقصوره فِي علم الشَّرِيعَة المطهرة مَعَ جَحده لما لَا يدْرِي وإنكاره لما لَا يعرف اللَّهُمَّ غفراً.
الدُّعَاء أعظم مظَاهر الْولَايَة:
وَأما قَول أبي الْقَاسِم الْقشيرِي فِي كَلَامه السَّابِق أَن قرب الرب تَعَالَى من عَبده بِمَا يَخُصُّهُ فِي الدُّنْيَا من عرفانه وَفِي الْآخِرَة من رضوانه فَأَقُول:
أعظم أَنْوَاع قرب العَبْد من الرب مَا صرح بِهِ فِي الْكتاب الْعَزِيز بقوله سُبْحَانَهُ:{وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني فَإِنِّي قريب أُجِيب دَعْوَة الدَّاعِي إِذا دعان} .
لقد جعل سُبْحَانَهُ عنوان هَذَا الْقرب الَّذِي أخبرنَا بِهِ مُفَسرًا لَهُ ومبينا لمعناه أَنه يجب دَعْوَة من دَعَاهُ من عباده وَأكْرم بهَا خصْلَة وَأعظم بهَا فَائِدَة لَا يقادر قدرهَا وَلَا تستطاع الْإِحَاطَة بِمَا فِيهَا من ارْتِفَاع طبقَة من يُجيب دَعَاهُ ويلبي نداه. فشكرا لَك يَا رَبنَا وحمداً لَا نحصي ثَنَاء عَلَيْك أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك.
الْولَايَة وَالْعُزْلَة:
وَأما قَوْله:" وَلَا يتم قرب العَبْد من الْحق إِلَّا ببعده من الْخلق " فَهَذَا إِنَّمَا يكون فِيمَن لَا نفع فِيهِ للعباد.
أما من كَانَ يَنْفَعهُمْ بِعِلْمِهِ، أَو بموعظته أَو بجهاده، أَو بإنكار الْمُنْكَرَات أَو بِالْقيامِ فيهم بِمَا أوجب الله على مثله الْقيام بِهِ، فَهَذَا يكون قربه من الْخلق أقرب إِلَى الْحق. وَهُوَ مقَام الْأَنْبِيَاء، ومقام الْعلمَاء الَّذين أَخذ الله عَلَيْهِم الْبَيَان للنَّاس.