وَلَكِن لَا يخفاك أَن كَون الْإِحْسَان يتركب من مَجْمُوع الْإِسْلَام وَالْإِيمَان مَبْنِيّ على أَن الْعِبَادَة مَعَ هَذِه المراقبة تحصل لكل مُؤمن وَهُوَ مَمْنُوع.
فَإِن هَذِه رُتْبَة وَرَاء الْإِيمَان بمسافات طَوِيلَة ودرجات كَثِيرَة، لِأَن الْإِيمَان يحصل للْعَبد بِمُجَرَّد إيمَانه بِاللَّه وملائكة وَكتبه وَرُسُله وَالْقدر خَيره وشره وَقد عرفناك أَن هَذَا حَاصِل لغالب الْعباد، وَلَو كَانَ الْإِحْسَان من مَجْمُوع الْإِسْلَام وَالْإِيمَان لزم أَن يحصل لكل مُسلم مُؤمن، وَأَنه إِذا لم يحصل لَهُ ذَلِك وَلم يعبد الله كَأَنَّهُ يرَاهُ لم يحصل الْإِيمَان. وَهَذَا بَاطِل من القَوْل وتكليف بِمَا لَا يستطيعه من أهل الْإِيمَان إِلَّا من هُوَ الكبريت الْأَحْمَر والغراب الأبقع، وكل عَالم بِهَذِهِ الشَّرِيعَة الغراء لَا يخفى عَلَيْهِ مثل هَذَا.
فالإحسان هُوَ موهبة يتفضل الله بهَا على خلص عباده وَجلة صفوته وأكابر أوليائه وَأهل محبته.
فَالَّذِي يَنْبَغِي أَن يُقَال إِن الْإِحْسَان مَشْرُوط بِالْإِسْلَامِ وَالْإِيمَان، وَأَنه لَا يتم إِلَّا لمن حصل لَهُ هَذَانِ الْأَمْرَانِ وَهُوَ شَيْء ثَالِث، لَيْسَ هُوَ عين أَحدهمَا وَلَا مركب مِنْهُمَا، وَفرق بَين الشّطْر وَالشّرط، فَإِن الشَّرْط خَارج عَن الْمَشْرُوط وَإِن استلزم عَدمه عَدمه بِخِلَاف الشّطْر فَإِنَّهُ جزؤه الَّذِي تركب مِنْهُ مَعَ غَيره.
فالطوفي لما صرح بتركيب الْإِحْسَان من الْإِسْلَام وَالْإِيمَان، استلزم كَلَامه هَذَا، أَنَّهُمَا جزآن لَهُ، وليسا كَذَلِك، بل هما شَرْطَانِ لَهُ، من فقدهما أَو أَحدهمَا فقد الْإِحْسَان كَمَا هُوَ مَفْهُوم الشَّرْط. فَلَا بُد من هَذَا، وَإِلَّا استلزم كَلَامه الْبَاطِل، وَهُوَ أَن كل من اجْتمع لَهُ الْإِسْلَام وَالْإِيمَان يكون قد بلغ رُتْبَة الْإِحْسَان، وَهَذَا غلط من القَوْل، وشطط من الرَّأْي، وعبء من التَّكْلِيف ثقيل لَا ينوء بِهِ غَالب عباد الله الْمُؤمنِينَ.