وَوُقُوع ذَلِك الشَّيْء فِي نَفسه لم يجد لَهُ العَبْد فَائِدَة وَلَا علم بِهِ فضلا عَن أَن يصل إِلَيْهِ مِنْهُ مَنْفَعَة.
فَهَذَا اللطف لَيْسَ بلطف أصلا، وَإِن فَرضنَا أَنه بِتِلْكَ الرأفة على العَبْد، لكَونه مِمَّن ينْتَفع الْعباد بِهِ، كَانَ بهَا تَأْخِير قبض روح العَبْد لَحْظَة وَأَن مُجَرّد ذَلِك يعد لطفا، فَإِنَّهُ يرد عَلَيْهِ إِشْكَال أعظم من الْإِشْكَال الَّذِي هم بصدد تَأْوِيله، وَهُوَ أَن الْأَجَل المحتوم قد تَأَخّر عَن وقته بِسَبَب تراخي الْملك عَن إِنْفَاذ أَمر الله بِهِ. وحاشا الْملك أَن يكون مِنْهُ هَذَا، وحاشا الْأَمر الإلهي أَن لَا ينجز حسب الْمَشِيئَة الربانية، فَمَا أَحَق صَاحب هَذَا التَّأْوِيل، بقول الشَّاعِر:
(فَكنت كالساعي إِلَى مثعب ... موائلا من سبل الراعد)
قَالَ فِي الْفَتْح: " وجواباً، رَابِعا، وَهُوَ أَن يكون خطابا، لنا بِمَا نعقل، والرب عز وَجل يتنزه عَن حَقِيقَته، بل هُوَ من جنس قَوْله: " وَمن أَتَانِي يمشي أَتَيْته هرولة ". فَكَمَا أَن أَحَدنَا يُرِيد أَن يضْرب وَلَده تأديبا فتمنعه الْمحبَّة وتبعثه الشَّفَقَة فيتردد بَينهمَا، وَلَو كَانَ غير الْوَالِد كالمعلم لم يتَرَدَّد بل كَانَ لَا يُبَالِي، بل يُبَادر إِلَى ضربه لتأديبه. فَأُرِيد تفهيمنا بتحقيق الْمحبَّة للْوَلِيّ بِذكر التَّرَدُّد " انْتهى.
أَقُول: هَذَا التَّأْوِيل هُوَ أحسن مِمَّا تقدم من تِلْكَ الْوُجُوه، فَإِنَّهُم قد أولُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute