يخلص التَّوْبَة عَنْهَا، أَو لحقوق لله سُبْحَانَهُ، أَو لِعِبَادِهِ لم يتَخَلَّص عَنْهَا، فَلَيْسَتْ كَرَاهَة الْمَوْت مُخْتَصَّة بذلك الْوَجْه الَّذِي ذكره الْجُنَيْد رَحمَه الله.
قَالَ فِي الْفَتْح: " وَعبر بَعضهم عَن هَذَا بِأَن الْمَوْت حتم مقضي، وَهُوَ مُفَارقَة الرّوح الْجَسَد، وَلَا يحصل غَالِبا إِلَّا بألم [شَدِيد] جدا كَمَا جَاءَ عَن عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه سُئِلَ وَهُوَ يَمُوت فَقَالَ: كَأَنِّي أتنفس من خرم إبرة، وَكَأن غُصْن شوك يجر بِهِ من قامتي إِلَى هامتي " انْتهى.
قلت: هَذَا هُوَ مثل كَلَام الْجُنَيْد. وَالْجَوَاب عَنهُ جَوَاب عَن هَذَا، وقصة عَمْرو هَذِه مَشْهُورَة فِي كتب التَّارِيخ، قَالَ لَهُ رجل وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ: إِنَّك كنت تَقول لنا: وددت أَن يُخْبِرنِي رجل عَاقل [و] هُوَ فِي سِيَاق الْمَوْت كَيفَ يجد الْمَوْت فَقَالَ لَهُ رجل: أَنْت ذَلِك الرجل الْعَاقِل فَأخْبرنَا فَقَالَ: " كَأَنِّي أتنفس الخ "، قَالَ فِي الْفَتْح: " وَعَن كَعْب أَن عمر سَأَلَهُ عَن الْمَوْت فوصفه بِنَحْوِ هَذَا، فَلَمَّا كَانَ الْمَوْت بِهَذَا الْوَصْف وَالله سُبْحَانَهُ يكره [أَذَى] الْمُؤمن أطلق على ذَلِك الْكَرَاهَة. وَيحْتَمل أَن تكون المساءة بِالنِّسْبَةِ إِلَى طول الْحَيَاة لِأَنَّهَا تُؤدِّي إِلَى أرذل الْعُمر وتنكس الْخلق وَالرَّدّ إِلَى أَسْفَل سافلين " انْتهى.
أَقُول: معنى قَوْله وأكره إساءته كَرَاهَة إساءته بِنَفس الْمَوْت كَمَا يفِيدهُ قَوْله يكره الْمَوْت، فَإِن قَوْله وأكره إساءته هُوَ مَعْطُوف عَلَيْهِ، فَالْمُرَاد أكره إساءته بِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute