الْحَقِيقَة؛ وَقد يُطلق وَيُرَاد بِهِ أحد الْمَعْنيين لَا على التَّعْيِين، بِأَن يُرَاد بِهِ فِي اطلاق وَاحِد هَذَا أَو ذَاك
وَقد أُشير فِي " الْمِفْتَاح " بِأَن ذَلِك حَقِيقَة الْمُشْتَرك عِنْد التجرد عَن الْقَرَائِن، وَقد يُطلق إطلاقا وَاحِدًا وَيُرَاد بِهِ كل وَاحِد من معنييه، بِحَيْثُ يُفِيد ان كلا مِنْهُمَا منَاط الحكم ومتعلق الْإِثْبَات وَالنَّفْي، وَهَذَا هُوَ مَحل الْخلاف
وَقد يُطلق إطلاقاً وَاحِدًا وَيُرَاد بِهِ مَجْمُوع معنييه من حَيْثُ هُوَ الْمَجْمُوع الْمركب مِنْهُم، بِحَيْثُ لَا يُفِيد ان كلا مِنْهُمَا منَاط الحكم وَالْفرق بَينه وَبَين الثَّالِث هُوَ الْفرق بَين الْكل الإفرادي وَالْكل المجموعي: وَهُوَ مَشْهُور يُوضحهُ انه يَصح (كل الْأَفْرَاد يرفع هَذَا الْحجر) وَلَا يَصح (كل فَرد)
وَهَذَا الرَّابِع لَيْسَ من مَحل النزاع فِي شَيْء، إِذْ لَا نزاع فِي امْتِنَاعه حقيقه، وَلَا فِي جَوَازه مجَازًا إِن وجدت علاقَة مصححة
[قَالَ بعض الْمُحَقِّقين: يجْرِي الْعُمُوم فِي الْمُشْتَرك الْمَعْنَوِيّ بِلَا خلاف، وَلَا يجْرِي فِي اللَّفْظ؛ فَإِن الِاشْتِرَاك الْمَعْنَوِيّ بِأَن يكون اللَّفْظ مَوْضُوعا لِمَعْنى يَشْمَل ذَلِك الْمَعْنى أَشْيَاء مُخْتَلفَة، كاسم الْحَيَوَان يتَنَاوَل الْإِنْسَان وَالْفرس وَغَيرهمَا بِالْمَعْنَى الْعَام وَهُوَ التحرك بالإرادة، وكاسم الشَّيْء يتَنَاوَل الْبيَاض والسواد وَغَيرهمَا بِمَعْنى اللونية
والاشتراك اللَّفْظِيّ بِأَن يكون اللَّفْظ مَوْضُوعا بِإِزَاءِ كل وَاحِد من الْمعَانِي الدَّاخِلَة تَحْتَهُ قصدا كاسم الْقُرْء وَالْعين
والمشترك فِي اصْطِلَاح الْفُقَهَاء اللَّفْظ فَإِنَّهُ مُشْتَرك فِيهِ وَالْمعْنَى مُشْتَرك أَو الْأَعْيَان
والمشترك الْمَعْنَوِيّ: وَهُوَ أَن يكون الْمَعْنى مُشْتَركا فِيهِ فَلَيْسَ باصطلاح الْفُقَهَاء، وَلَا يشْتَرط فِي ثُبُوت الِاشْتِرَاك فِي لفظ نقل أهل اللُّغَة أَنه مُشْتَرك بل يشْتَرط نقلهم أَنه مُسْتَعْمل فِي مَعْنيين أَو أَكثر وَإِذا ثَبت ذَلِك بنقلهم فَنحْن نُسَمِّيه مُشْتَركا باصطلاحنا
ورجحان بعض وُجُوه الْمُشْتَرك فقد يكون بِوَاسِطَة التَّأَمُّل فِي صيغته، وَقد يكون بِالتَّأَمُّلِ فِي سِيَاقه، وَقد يكون بِالتَّأَمُّلِ فِي غَيره]
وَاعْلَم أَن الشَّافِعِي قَالَ: يجوز أَن يُرَاد من الْمُشْتَرك كلا معنييه عِنْد التجرد عَن الْقَرَائِن، وَلَا يحمل عِنْده على أَحدهمَا إِلَّا بِقَرِينَة؛ وَمحل النزاع إِرَادَة كل وَاحِد من معنييه على أَن يكون مرَادا ومناطا للْحكم، وَأما إِرَادَة كليهمَا فَغير جَائِز اتِّفَاقًا
وَعند أبي حنيفَة لَا يسْتَعْمل الْمُشْتَرك فِي أَكثر من معنى وَاحِد، لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يسْتَعْمل فِي الْمَجْمُوع بطرِيق الْحَقِيقَة أَو بطرِيق الْمجَاز، وَالْأول غير جَائِز، لِأَنَّهُ غير مَوْضُوع للمجموع بِاتِّفَاق أَئِمَّة اللُّغَة وَكَذَا الثَّانِي، إِذْ لَا علاقَة بَين الْمَجْمُوع وَبَين كل وَاحِد من الْمَعْنيين؛ وَيمْنَع كَون الصَّلَاة فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} مُشْتَركَة بَين الرَّحْمَة وَالِاسْتِغْفَار، لِأَنَّهُ لم يثبت عَن أهل اللُّغَة، بل هِيَ حَقِيقَة فِي الدُّعَاء، وَلِأَن سِيَاق الْآيَة إِيجَاب اقْتِدَاء الْمُؤمنِينَ بِاللَّه وَمَلَائِكَته فِي الصَّلَاة على النَّبِي، فَلَا بُد من اتِّحَاد معنى الصَّلَاة فِي الْجَمِيع، سَوَاء كَانَ معنى حَقِيقِيًّا أَو معنى مجازيا
أما الْحَقِيقِيّ فَهُوَ الدُّعَاء فَالْمُرَاد: الله يَدْعُو ذَاته بإيصال الْخَيْر إِلَى النَّبِي، ثمَّ من لَوَازِم الدُّعَاء