للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوله تَعَالَى: {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه وباليوم الآخر وَمَا هم بمؤمنين} يدل على أَن الْإِقْرَار بِغَيْر تَصْدِيق لَيْسَ بِإِيمَان، بِإِشَارَة النَّص واقتضائه، فينتهض حجَّة على الكرامية وَلَيْسَ لَهُم دَلِيل بِعِبَارَة النَّص على خِلَافه حَتَّى يرجح

وَلَيْسَ الْإِيمَان هُوَ الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ فَقَط، كَمَا زعمت الكرامية، وَلَا إِظْهَار الْعِبَادَات وَالشُّكْر بالطاعات كَمَا زعمت الْخَوَارِج، فَإنَّا نعلم من حَال الرَّسُول عِنْد إِظْهَار الدعْوَة أَنه لم يكتف من النَّاس بِمُجَرَّد الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ وَلَا الْعَمَل بالأركان مَعَ تَكْذِيب الْجنان، بل كَانَ يُسَمِّي من كَانَت حَاله كَذَلِك كَاذِبًا ومنافقا؛ قَالَ الله تَعَالَى تَكْذِيبًا لِلْمُنَافِقين عِنْد قَوْلهم: نشْهد أَنَّك لرَسُول الله {وَالله يشْهد إِن الْمُنَافِقين لَكَاذِبُونَ} وَمَا ورد فِي الْكتاب وَالسّنة وأقوال الْأَئِمَّة فِي ذَلِك أَكثر من أَن يُحْصى، وَلَا يخفى قبح القَوْل بِأَن الْإِيمَان مُجَرّد الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ لإفضائه إِلَى تَكْفِير من لم يظْهر مَا أبطنه من التَّصْدِيق وَالطَّاعَة، وَالْحكم بنقيضه لمن أظهر خلاف مَا أبطن من الْكفْر بِاللَّه وَرَسُوله، وَأَشد قبحا مِنْهُ جعل الْإِيمَان مُجَرّد الْإِتْيَان بالطاعات لإفضائه إِلَى إبِْطَال مَا ورد فِي الْكتاب وَالسّنة من جَوَاز خطاب العَاصِي بِمَا دون الشّرك قبل التَّوْبَة بالعبادات الْبَدَنِيَّة وَسَائِر الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة، وبصحتها مِنْهُ إِن لَو أَتَاهَا، وبإدخاله فِي زمرة الْمُؤمنِينَ، وَبِهَذَا تبين قبح قَول الحشوية أَن الْأَيْمَان هُوَ التَّصْدِيق بالجنان وَالْإِقْرَار بِاللِّسَانِ وَالْعَمَل بالأركان نعم لَا يُنكر جَوَاز إِطْلَاق اسْم الْإِيمَان على هَذِه الْأَفْعَال، وعَلى الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ} أَي: صَلَاتكُمْ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " الْإِيمَان بضع وَسَبْعُونَ بَابا، أَوله شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَآخره إمَاطَة الْأَذَى عَن الطَّرِيق " لَكِن من جِهَة أَنَّهَا دَالَّة على التَّصْدِيق بالجنان ظَاهرا، فعلى هَذَا مهما كَانَ مُصدقا بالجنان وَإِن أخل بِشَيْء من الْأَركان فَهُوَ مُؤمن حَقًا، وَإِن صَحَّ تَسْمِيَته فَاسِقًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا أخل بِهِ، وَلذَلِك صَحَّ إدراجه فِي خطاب الْمُؤمنِينَ، وإدخاله فِي جملَة تكاليف الْمُسلمين

[وَاخْتلف فِي زِيَادَة الْإِيمَان ونقصه قَالَ بَعضهم:] إِن الْإِيمَان الْكَامِل هُوَ الْإِيمَان الْمُطلق لَا يقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان

وَمُطلق الْإِيمَان يُطلق على النَّاقِص والكامل، وَلِهَذَا نفى رَسُول الله الْإِيمَان الْمُطلق عَن الزَّانِي وشارب الْخمر وَالسَّارِق، وَلم ينف عَنْهُم مُطلق الْإِيمَان، فَلَا يدْخلُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالله ولي الْمُؤمنِينَ} ، وَلَا فِي قَوْله تَعَالَى: {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ} ، ويدخلون فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمن يقتل مُؤمنا} وَفِي قَوْله تَعَالَى: (فَتَحْرِير رَقَبَة

<<  <   >  >>