للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بقوله: {كن} وَعَن المكون بقوله: {فَيكون} وَلِأَن الله تَعَالَى قَالَ فِي الْأَزَل {كن} أَي: ليكن كل مَا يكون فِي وقته، وَلم يَنْعَدِم قَوْله لِأَنَّهُ مُتَكَلم قَائِل لم يزل وَلَا يزَال بِلَا كَيْفيَّة، حَتَّى إِذا كَانَ فِي وقته كَانَ بِنَاء على قَوْله: ليكن، أَي: ليوجد كل مَا من شَأْنه أَن يُوجد فِي وقته الْمَخْصُوص وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَصح خطاب الْمَوْجُود ب (كن) إِذْ لَا يُوجد الْمَوْجُود ثَانِيًا، وَكَذَا الْمَعْدُوم إِذْ هُوَ لَيْسَ بِشَيْء فيخاطب، وَلَا يجوز أَن يحدث الله فعل أَو قَول لتعالي الذَّات عَن الْحَوَادِث فَوَجَبَ القَوْل بِأَنَّهُ قَالَ فِي الْأَزَل: ليكن كل مَا يكون فِي وقته، فَلَا يلْزم قدم الْمَفْعُول والمخلوق والمكون، فَكَانَ {كن فَيكون} عبارَة عَن سرعَة الإيجاد بِلَا كلفة وَالْقَوْل بِأَن المُرَاد بقوله تَعَالَى: {كن} حَقِيقَة التَّكَلُّم لَا أَنه مجَاز عَن الْإِيجَاب وموافق لمَذْهَب الْأَشْعَرِيّ فَإِن عِنْده وجود الْأَشْيَاء مُتَعَلق بِكَلَامِهِ الأزلي، وَهَذِه الْكَلِمَة دَالَّة عَلَيْهِ لَا إِن كَانَت من حُرُوف وَصَوت، أَو كَانَ لكَلَامه وَقت، تَعَالَى الله عَن ذَلِك

كَذَا فِي " شرح التأويلات " وَهَذَا مُخَالف لعامة أهل السّنة لِأَن أهل السّنة يرَوْنَ تعلق وجود الْأَشْيَاء بِخلق الله وإيجاده وَهَذَا الْكَلَام عبارَة عَن سرعَة حُصُول الْمَخْلُوق بإيجاده]

وَاعْلَم أَن الصّفة الإضافية هِيَ صفة قَائِمَة بِذَاتِهِ تَعَالَى ينشأ مِنْهَا الْإِضَافَة، كالتكوين، فَإِنَّهُ فِي الْأَزَل لم يكن ليَكُون الْعَالم كَائِنا بِهِ فِي الْأَزَل، بل ليَكُون كَائِنا بِهِ وَقت وجوده وتكوينه بَاقٍ إِلَى الْأَبَد، فَيتَعَلَّق وجود كل مَوْجُود بتكوينه الأزلي، وَهَذَا كمن علق طَلَاق امْرَأَته فِي شعْبَان بِدُخُول رَمَضَان، فَإِن التَّطْلِيق يبْقى حكما إِلَى رَمَضَان ليتعلق الطَّلَاق وَقت وجوده بذلك التَّطْلِيق، وَلَا امْتنَاع فِي الِاحْتِيَاج إِلَى الْغَيْر فِي نفس الإضافات فَإِن مَحْض الإضافات كالقبلية والمعية لَا يُسمى صِفَات لعدم قِيَامهَا بِالذَّاتِ، وَإِنَّمَا الِامْتِنَاع فِي الصِّفَات الإضافية لِئَلَّا يكون الْبَارِي تَعَالَى مستكملا بِالْغَيْر، فالكمال هُوَ الاتصاف بِالصّفةِ الْكُلية، لَا وجود جزئياتها وآثارها، وَإِلَّا لَكَانَ إِيجَاد الشَّيْء استكمالا بِهِ

[نعم نفي الاستكمال بِالْغَيْر عَنهُ تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ إِلَى كَمَاله الذاتي الَّذِي لَهُ مرتبَة الْغنى عَن الْعَالمين، لَا بِالنّظرِ إِلَى كَمَاله الأسمائي الَّذِي لَا بُد لكمالها من ظُهُور آثارها وترتب أَحْكَامهَا عَلَيْهَا كَمَا هُوَ عِنْد الْمُحَقِّقين من الصُّوفِيَّة]

التَّقْدِيم: هُوَ من (قدم) و (قدمت كَذَا فلَانا) : تقدمته و (قدمت بِكَذَا إِلَى فلَان) : أعلمته قبل وَقت الْحَاجة إِلَى فعله وَقبل أَن دهمه الْأَمر {وَقد قدمت إِلَيْكُم بالوعيد}

وَاعْلَم أَن أَسبَاب التَّقْدِيم وأسراره كَثِيرَة مِنْهَا: التَّبَرُّك: كتقديم اسْم الله فِي الْأُمُور ذَوَات الشَّأْن وَمِنْه {شهد الله} إِلَى آخِره

والتعظيم: نَحْو: {وَمن يطع الله وَالرَّسُول}

والتشريف: كتقديم الذّكر على الْأُنْثَى، وَالْحر على العَبْد، والحي على الْمَيِّت، وَالْخَيْل على غَيرهَا، والسمع على الْبَصَر، وَالرَّسُول على النَّبِي، وَالْإِنْس على الْجِنّ، وَالْمُؤمن على الْكَافِر،

<<  <   >  >>