بالترادف نظر إِلَى جِهَة اتحادها وَاسْتِعْمَال كل وَاحِد مِنْهَا فِي مَكَان الآخر وَلِهَذَا ترى أهل اللُّغَة يفسرون هَذِه الْأَلْفَاظ بَعْضهَا بِبَعْض وَمن قَالَ بالاجتماع والافتراق فقد نظر إِلَى الْجِهَتَيْنِ مَعًا، وَهُوَ قَول بعض أهل اللُّغَة، وَعَلِيهِ جُمْهُور الأدباء وَالْأَصْل فِي الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على الْمعَانِي التباين، والاتحاد والاشتراك خلاف الأَصْل
فِي " الْفَائِق ": الْحَمد والمدح أَخَوان، حمله السَّيِّد على الترادف بَينهمَا، إِمَّا بعد قيد الِاخْتِيَار فِي الْحَمد، أَو بِاعْتِبَارِهِ فيهمَا والتفتازاني حمله على الِاشْتِقَاق كَبِيرا كَانَ أَو أكبر، مَعَ اتِّحَاد فِي الْمَعْنى، أَو تناسب فَلَا ترادف
قَالُوا: الْحَمد هُوَ الثَّنَاء مَعَ الرضى بِشَهَادَة موارد اسْتِعْمَاله والمدح مُطلقًا هُوَ الثَّنَاء، وَيشْتَرط فِي الْحَمد صدوره عَن علم لَا عَن ظن، وَكَون الصِّفَات المحمودة صِفَات الْكَمَال
والمدح قد يكون عَن ظن وبصفة مستحسنة، وَإِن كَانَ فِيهِ نقص مَا
وَالْحَمْد مَأْمُور بِهِ: {قل الْحَمد لله}
والمدح مَنْهِيّ عَنهُ: " احثوا التُّرَاب على المداحين "
وَالْحَمْد وضع بعد النِّعْمَة، وَفِيه دلَالَة على أَنه فَاعل بِاخْتِيَارِهِ وقائله مقرّ بِهِ، والمدح لَيْسَ كَذَلِك
[وَفِي الْحَمد اعْتِرَاف بدوام النِّعْمَة واقتضاء سَابِقَة الْإِحْسَان بِخِلَاف الْمَدْح فَإِنَّهُ عَام]
وَتعلق الْحَمد فِي قَوْلك (حمدته) بمفعوله منبئ عَن معنى الإنهاء، فَصَارَ كبعض الْأَفْعَال فِي استدعاء أدنى الملابسة ك (أعنته إِلَيْهِ) و (استعنته مِنْهُ) ، وَلَيْسَ كَذَلِك الْمَدْح، لِأَن تعلقه بمفعوله فِي قَوْلك: (مدحته) على منهاج عَامَّة الْأَفْعَال بمفعولاتها فِي الملابسة التَّامَّة المؤثرة فِيهِ، وَمن ثمَّة صَار التَّعَلُّق فِيهِ بالمفعول الْحَقِيقِيّ، وَفِي الْحَمد بِوَاسِطَة الْجَار الْمُنَاسب، وَمَا هَذَا إِلَّا لاختلافهما فِي الْمَعْنى قطعا
وَلَا بُد فِي الْحَمد أَن يكون الْمَحْمُود مُخْتَارًا، وَفِي الْمَدْح غير لَازم، وَلِهَذَا يكون وصف اللؤلؤة بصفائها مدحا لَا حمدا، وَأما {مقَاما مَحْمُودًا} فَمَعْنَاه مَحْمُودًا فِيهِ النَّبِي لشفاعته، أَو الله تَعَالَى لتفضله عَلَيْهِ بِالْإِذْنِ فِي الشَّفَاعَة
وَلَا يلْزم النَّقْض بِالْوَصْفِ الْجَمِيل فِي مُقَابلَة الصِّفَات الذاتية كالقدرة والإرادة غير الاختيارية بِنَاء على أَن كل اخْتِيَاري حَادث، لِأَن الِاخْتِيَارِيّ يَقْتَضِي أَن يكون مَسْبُوقا بالإرادة، والإرادة مسبوقة بِالْعلمِ وَالْقُدْرَة، وَذَلِكَ يسْتَلْزم الْحُدُوث على مَا تقرر فِي مَحَله، إِذْ الصِّفَات الذاتية أَمر اخْتِيَاري أَي أَمر مَنْسُوب إِلَى الِاخْتِيَار نِسْبَة المصاحب إِلَى المصاحب الآخر، لَا نِسْبَة الْمَعْلُول إِلَى علته حَتَّى يكون مَعْنَاهُ أمرا أَو مَنْسُوبا إِلَى الِاخْتِيَار الَّذِي هُوَ منشأ ذَلِك الْأَمر، أَو هِيَ بِمَنْزِلَة أَفعَال اختيارية، لكَونهَا مبدأ لَهَا، وَالْحَمْد عَلَيْهَا بِاعْتِبَار تِلْكَ الْأَفْعَال، فَيكون الْمَحْمُود عَلَيْهِ اختياريا فِي الْمَآل، أَو لكَون الذَّات مُسْتقِلّا وكافيا فِيهَا غير مُحْتَاج فِيهَا إِلَى أَمر خَارج كَمَا هُوَ شَأْن بعض الْأَفْعَال الاختيارية، وَفِيه أَن بعض الصِّفَات لَيْسَ الذَّات مُسْتقِلّا فِيهَا، بل يحْتَاج إِلَى صفة أُخْرَى، إِلَّا أَن يُقَال: المُرَاد من الْخَارِج الْخَارِج من الذَّات وَالصِّفَات، وَيُمكن أَن