للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُجَاب بِأَن الِاخْتِيَارِيّ كَمَا يَجِيء بِمَعْنى مَا صدر بِالِاخْتِيَارِ يَجِيء بِمَعْنى مَا صدر من الْمُخْتَار، أَو المُرَاد من الِاخْتِيَارِيّ هَهُنَا الْمَعْنى الْأَعَمّ الْمُشْتَرك بَين الْقَادِر والموجب، وَهُوَ إِن شَاءَ الله فعل وَإِن لم يَشَأْ لم يفعل

وَلَا شكّ أَن صِفَاته تَعَالَى عِنْد الأشاعرة صادرة عَن الْفَاعِل الْمُخْتَار الَّذِي هُوَ ذَاته تَعَالَى، وَإِن لم يصدر عَنهُ بِالِاخْتِيَارِ، (وَأَيْضًا هِيَ صادرة بِالِاخْتِيَارِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ وَأجَاب الْبَعْض بِأَنا لَا نسلم عدم كَون الصِّفَات الْمَذْكُورَة صادرة بِالِاخْتِيَارِ بِالْمَعْنَى الْأَخَص أَيْضا لجَوَاز أَن يكون سبق الِاخْتِيَار عَلَيْهِ سبقا ذاتيا، كسبق الْوُجُوب على الْوُجُود، لَا سبقا زمانيا حَتَّى يلْزم حدوثها، وَفِيه أَنهم قَالُوا بِأَن أثر الْفَاعِل الْمُخْتَار حَادث قطعا بِلَا خلاف، وَإِن اعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يجوز أَن يكون سبق الِاخْتِيَار عَلَيْهِ ذاتيا لَا زمانيا حَتَّى يلْزم الْحُدُوث وَيَكْفِي فِي الْجَمِيل أَن كَون طَرِيقه وَسبب تَحْصِيله اختياريا كَمَا فِي الْعلم، وَأَن يكون ثمراته وآثاره اختيارية كَمَا فِي الْكَرم والشجاعة)

ثمَّ الْحَمد لَا يخْتَص بِهَذِهِ الْمَادَّة والصيغة، بل قد يكون بغَيْرهَا مِمَّا يشْعر بالتعظيم نَحْو: (العظمة لله) و (الْأَمر بيد الله) حَتَّى قيل: قَول الْقَائِل (زيد حسن الْوَجْه) وصف لزيد وَحمد لباريه، إِذْ كل حسن صَنِيع جمال فطرته، أَو كل محسن رَضِيع لبان نعْمَته، وَمَا من خير إِلَّا هُوَ موليه بوسط [على مَذْهَب من يَقُول بمؤثر سوى الله] أَو بِغَيْر وسط [على مَذْهَب من لَا يرى مؤثرا سواهُ] ، فَكل حمد وثناء رَاجع إِلَيْهِ عِنْد التَّحْقِيق، لِأَنَّهُ الْمُنعم الْحَقِيقِيّ الْمُبْدع المخترع الْمُوفق المقتدر، وَمَا سواهُ شَرَائِط ووسائط وَأَسْبَاب وآلات لوصول نعمائه إِلَى الْخلق، وَهُوَ الْمُسْتَحق للحمد ذاتا وَصفَة وَلَا شَيْء مِنْهُ لغيره فِي الْحَقِيقَة فاستحقاق الذَّات الْعلية للحمد إِنَّمَا هُوَ بصفاته الذاتية الَّتِي لَا يحمد عَلَيْهَا إِلَّا الذَّات فَقَط فِي قَول الحامدين لله: (الْحَمد لله)

وَاسْتِحْقَاق الصِّفَات الذاتية أَيْضا للحمد إِنَّمَا هُوَ بِكَمَال صفاتها أَيْضا، كَمَا هُوَ الْمَفْهُوم من صِفَات الْأَفْعَال، فَإِنَّهَا وَسِيلَة لإنعام صِفَات الذَّات الْعلية الَّتِي هِيَ منشأ تِلْكَ الصِّفَات المتفجرة من الإنعام وَالْإِحْسَان على جَمِيع الأكوان فاستحقاق الذَّات أَولا من حَيْثُ هُوَ بصفاته الذاتية السَّبع أَو الثماني على اخْتِلَاف الرائين ثمَّ اسْتِحْقَاق الصِّفَات الْمَذْكُورَة ثَانِيًا إِنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَة الْفِعْل كالإنعام مثلا وَلما كَانَت الذَّات الْعلية منشأ الْحَمد، وَالْوَصْف آلَة لملاحظتها، لَا أَنه مَقْصُود أَصَالَة فَهِيَ محمودة بِاعْتِبَار أَنَّهَا نصب عين الحامد، ومحمود عَلَيْهَا بِاعْتِبَار أَن الْحَمد لأَجلهَا، ومحمود بهَا بِاعْتِبَار أَن الْحَمد كَانَ بهَا

بَقِي الْكَلَام فِيهِ من جِهَة التَّقْسِيم وَالْإِعْرَاب فَنَقُول: إِن الْحَمد اللّغَوِيّ هُوَ الْوَصْف الْجَمِيل على جِهَة التَّعْظِيم والتبجيل بِاللِّسَانِ وَحده

والعرفي: هُوَ فعل يُنبئ عَن تَعْظِيم الْمُنعم لكَونه منعما أَعم من أَن يكون فعل اللِّسَان والجنان والأركان

والقولي: هُوَ حمد اللِّسَان وثناؤه على الْحق بِمَا

<<  <   >  >>