للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أثنى بِهِ على نَفسه على أَلْسِنَة الْأَوْلِيَاء والأنبياء وَالرسل

والفعلي: هُوَ الْإِتْيَان بِالْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّة ابْتِغَاء لوجه الله

والحالي: هُوَ مَا يكون بِحَسب الرّوح وَالْقلب كالاتصاف بالكمالات العلمية والعملية والتخلق بالأخلاق الإلهية والنبوية

فَحَمدَ الله عبارَة عَن تَعْرِيفه وتوصيفه بنعوت جَلَاله وصفات جماله وسمات كَمَاله الْجَامِع لَهَا، سَوَاء كَانَ بِالْحَال أَو بالمقال، وَهُوَ معنى يعم الثَّنَاء بأسمائه فِيهِ جليلة، وَالشُّكْر على نعمائه فَهِيَ جزيلة، والرضى بأقضيته فَهِيَ حميدة، والمدح بأفعاله فَهِيَ جميلَة وَذَلِكَ لِأَن صِفَات الْكَمَال أَعم من صِفَات الذَّات وَالْأَفْعَال، والتعريف بهَا أَعم مِنْهُ بِاللِّسَانِ أَو بالجنان أَو بالأركان

وَأما الْحَمد الذاتي: فَهُوَ على أَلْسِنَة المكملين ظُهُور الذَّات فِي ذَاته لذاته

وَالْحَمْد الحالي: اتصافه بِصِفَات الْكَمَال

(وَالْحَمْد الْفعْلِيّ: إِيجَاد الأكوان بصفاتها حَسْبَمَا يقتضيها فِي كل زمَان وَمَكَان وَنَفس الأكوان أَيْضا محامد دَالَّة على صِفَات مبدعها) سوابقها ولواحقها مثل الْأَقْوَال وَالله سُبْحَانَهُ يثني بِنَفسِهِ على نَفسه {نعم الْمولى وَنعم النصير}

وَقيل: كل مَا أثنى الله بِهِ على نَفسه فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة إِظْهَاره بِفِعْلِهِ فحمده لنَفسِهِ بَث آيَاته وَإِظْهَار نعمائه بمحكمات أَفعاله، وعَلى ذَلِك {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} فَإِن شَهَادَته لنَفسِهِ إِحْدَاث الكائنات دَالَّة على وحدانيته، ناطقة بِالشَّهَادَةِ لَهُ، ويثني بِنَفسِهِ على فعله: {نعم العَبْد إِنَّه أواب} ويثني بِفِعْلِهِ على نَفسه كَقَوْل العَبْد: (الْحَمد لله) ، ويثني بِفِعْلِهِ على فعله كَقَوْل العَبْد: (نعم الرجل زيد) فَكل حمد إِذن مُضَاف إِلَيْهِ وَإِن اخْتلفت جِهَة الْإِضَافَة

وَالْحَمْد لله تَعَالَى وَاجِب فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهُ على نعْمَة متفضل بهَا وَهُوَ الطَّرِيق إِلَى تَحْصِيل نعم الْآخِرَة

وَالْحَمْد لَهُ فِي الْآخِرَة لَيْسَ بِوَاجِب لِأَنَّهُ على نعْمَة وَاجِبَة الإيصال إِلَى مستحقها، وَإِنَّمَا هُوَ تَتِمَّة سرُور الْمُؤمنِينَ، يتلذذون بِهِ كَمَا يتلذذ من بِهِ الْعَطش بِالْمَاءِ الْبَارِد

والحامد فِي بَدْء تصنيفه إِن لم يُقَابل حَمده بِنِعْمَة فَهُوَ حَامِد لُغَة فَقَط، وَإِن قابله بهَا فَهُوَ حَامِد لُغَة وَعرفا، وشاكر لُغَة؛ وَإِن جعله جُزْءا من شكر عرفي بِأَن صرف سَائِر مَا أنعم عَلَيْهِ إِلَى مَا أنعم لَهُ كَمَا صرف لِسَانه فَهُوَ حَامِد لُغَة وَعرفا وشاكر كَذَلِك وَذَلِكَ أَعلَى مَرَاتِب الحامدين

وَأما إِعْرَاب (الْحَمد لله) فَهُوَ فِي الأَصْل من المصادر المنصوبة بالأفعال الْمقدرَة السَّادة مسدها، كَمَا فِي (شكرا) و (سقيا) و (رعيا) وَنَحْوهَا، فَحذف فعله لدلَالَة الْمصدر عَلَيْهِ، ثمَّ عدل إِلَى الرّفْع لقصد الدَّوَام والثبات، وَأدْخل عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام فَصَارَ (الْحَمد لله)

وَلما كَانَت نعم الله على كثرتها قسمَيْنِ دائمة ثَابِتَة وحادثة متجددة اخْتلف من هَهُنَا اخْتِيَار الْعلمَاء، مِنْهُم من يخْتَار الْجُمْلَة الاسمية وَمِنْهُم من يخْتَار

<<  <   >  >>