للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفعلية جَريا على قَضِيَّة التناسب، لَكِن (الْحَمد لله) أبلغ من (أَحْمد الله) و (الله أَحْمد)

أما من الأول فَلِأَنَّهُ يحْتَمل الِاسْتِقْبَال فَيكون وَعدا لَا تنجيزا؛ وَكَونه حَقِيقَة فِي الْحَال عِنْد الْفُقَهَاء لَا يدْفع الِاحْتِمَال؛ على أَن إِرَادَة الْحَال تفِيد انْقِطَاعه من الْجَانِبَيْنِ لعدم مَا يدل على الِاسْتِمْرَار، إِلَّا أَن يُرَاد معنى قَوْلهم: (مَا مضى فَاتَ والمؤمل غيب وَلَك السَّاعَة الَّتِي أَنْت فِيهَا)

وَأما من الثَّانِي فَلِأَن الْحصْر إِنَّمَا يعْتَبر فِي مقَام يكون فِيهِ خطأ يرد إِلَى الصَّوَاب

ومقام الْحَمد من الْمُسلم يَأْبَى أَن يعْتَقد أَن غير الله مَحْمُود اعتقادا خطأ فَيرد إِلَى الصَّوَاب، وَيَقْتَضِي أَن يكون على أسلوب دَال على الثُّبُوت لَهُ دَائِما وَهُوَ (الْحَمد لله)

وَصِيغَة الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر وَإِن دلّت على وجود مشارك فِي صفة الحامدين من بني صنفه أَو نَوعه أَو جنسه أَو كل الْعَالمين أَو مِمَّا يخْتَص بِهِ من الْجَوَارِح والموارد مَعَ مَا فِي التَّشْرِيك من الِاسْتِعَانَة والإشفاق وَدفع توهم الِاخْتِصَاص وَغير ذَلِك، لكنه لَا يُفِيد أَيْضا مَا يفِيدهُ (الْحَمد لله) من كَونه تَعَالَى مَحْمُودًا أزلا وأبدا بِحَمْدِهِ الْقَدِيم سَوَاء حمد أَو لم يحمد، وَأَن الْحَمد حَقه وَملكه بِسَبَب كَثْرَة أياديه وأنواع آلائه على الْعباد، وَلَيْسَ فِيهِ ادِّعَاء أَن العَبْد آتٍ بِالْحَمْد، بل تَقول: من أَنا حَتَّى أَحْمَده، لكنه مَحْمُود بِجَمِيعِ حمد الحامدين، وَلِأَن فِيهِ دخل حَمده وَحمد غَيره من أول الْعَالم إِلَى آخِره، بل إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ، إِلَى غير ذَلِك من الْفَوَائِد

وَفِي (الْحَمد لله) تَصْرِيح بِأَن الْمُؤثر فِي وجود الْعَالم فَاعل مُخْتَار، لَا مُوجب، كَمَا تَقول بِهِ الفلاسفة، وَلَيْسَ فِي الْمَدْح لله هَذِه الْفَائِدَة، وَفِيه أَيْضا دلَالَة على أَن الْحَمد لأجل كَونه مُسْتَحقّا لَهُ لَا لخُصُوص أَنه أوصل النِّعْمَة إِلَيْهِ فَيكون الْإِخْلَاص أكمل والانقطاع عَمَّا سواهُ أقوى وَأثبت وَلَيْسَ من الشُّكْر لله ذَلِك، بل فِيهِ إِشْعَار بِأَن ذكر تَعْظِيمه إِنَّمَا هُوَ بِسَبَب مَا وصل إِلَيْهِ من النِّعْمَة وَهِي الْمَطْلُوب الْأَصْلِيّ، وَهَذِه دَرَجَة صَغِيرَة

وَإِذا عرفت هَذَا فَنَقُول: إِن فِي الْإِتْيَان بِالْجُمْلَةِ الاسمية الإخبارية لفظا كَمَا هُوَ الأَصْل، والإنشائية معنى كَمَا فِي أَلْفَاظ الْعُقُود وَغَيرهَا على معنى أَنه منشئ للْأَخْبَار أَن كل حمد ثَابت لَهُ لَا أَنه منشئ لكل حمد، محلاة جزؤها الأول بلام لَا يقْصد الْمصدر الْمُؤَكّد إِلَّا بهَا، وَهُوَ لَام الْجِنْس الصَّالح

بِحَسب الْمقَام للاستغراق بتنزيل الْأَفْرَاد الثَّابِتَة للْغَيْر فِي الْمقَام الْخطابِيّ منزلَة الْعَدَم كَمَا وكيفا، وجزؤها الثَّانِي بلام الِاخْتِصَاص الَّذِي يُقَال لَهُ لَام التَّمْلِيك والاستحقاق [لَا سِيمَا فِيهِ] التأسي بمفتتح التَّنْزِيل الْجَلِيل والتنبيه على استغنائه عَن حمد الحامدين [مَعَ مَا فِيهِ من الْإِيمَاء إِلَى أَنه لَا يَلِيق بِذَاتِهِ الْقَدِيم إِلَّا حَمده الْقَدِيم الصَّادِر عَن ذَاته الْقَدِيمَة، وَهَذَا الْمَعْنى على الْعَهْد الرَّاجِح عِنْد بعض الْمُحَقِّقين وَإِمَّا على الْجِنْس والاستغراق]

وَالْمعْنَى أَن مَا يعرفهُ كل أحد من الْمَعْنى الَّذِي يُطلق عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظ أَو جَمِيع أَفْرَاده ثَابت لذاته تَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ على وَجه الِاخْتِصَاص، وَأَنه الْحقيق بِهِ بِالِاخْتِيَارِ الْحَقِيقِيّ المنحصر فِيهِ حمد أَو

<<  <   >  >>