على الِاتِّصَال إِذا أضيف استمراره إِلَى الزَّمَان يُسَمِّي تِلْكَ الْإِضَافَة والمقارنة دهرا محيطا بِالزَّمَانِ لحصولها مَعَ كل من الْأَوْقَات المتجددة والمتصرمة، وَقد يَجْعَل ظرفا لذَلِك الْوُجُود فَيُقَال إِنَّه مَوْجُود فِي الدَّهْر وَهَذَا معنى قَول الرئيس: الدَّهْر دُعَاء زَمَانه وَنسبَة مدعاته إِلَى اخْتِلَاف أحيانه]
والدهر، مُعَرفا: الْأَبَد، بِلَا خلاف وَأما مُنْكرا فقد قَالَ أَبُو حنيفَة: لَا أَدْرِي كَيفَ هُوَ فِي حكم التَّقْدِير، لِأَن مقادير الْأَسْمَاء واللغات لَا تثبت إِلَّا توقيفا لعدم الْموقف، لِأَن الْخَوْض فِي المقايسة فِيمَا طَرِيقه التَّوْقِيف بَاطِل، وَقد تعَارض الِاسْتِعْمَال الْعرفِيّ وفقد التَّنْصِيص الوضعي على تَقْدِيره
والتوقف عِنْد تعَارض الْأَدِلَّة وَترك التَّرْجِيح من غير دَلِيل دَال على كَمَال الْعلم وَغَايَة الْوَرع قيل: إِن أَبَا حنيفَة حمل الدهور فِي (لَا ُأكَلِّمهُ الدهور) على الْعشْرَة، وَقد توقف فِي مفرده، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ قِيَاس قَوْله أَن لَو كَانَ يُفَسر دهر أَولا يتَوَقَّف فِيهِ كَمَا فرعوا مسَائِل الْمُزَارعَة على قِيَاس قَوْله: أَن لَو كَانَ يَقُول بجوازها هَذَا إِن كَانَ الدهور جمع دهر مُنْكرا، وَأما إِن جَعَلْنَاهُ جمع الْمُعَرّف فَلَا يحْتَاج إِلَى هَذَا الْجَواب، لكنه يُضعفهُ عدم تَضْعِيفه، لِأَن الْمُعَرّف عبارَة عَن الْعُمر بالِاتِّفَاقِ والعمر لَا يتضاعف، فَلَا يحْتَاج إِلَى جمعه وتعديده وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: هُوَ يسْتَعْمل بِمَعْنى الْحِين ويناوبه فَيكون لَهُ حكمه
والحين يَقع على سِتَّة أشهر مُعَرفا ومنكرا، إِلَّا أَن هَذِه الْمدَّة أعدل محامله لكَونه وسطا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {تؤتي أكلهَا كل حِين} قَالَ ابْن عَبَّاس: المُرَاد سِتَّة أشهر وَقد يذكر وَيُرَاد بِهِ مُدَّة قَصِيرَة كوقت الصَّلَاة كَقَوْلِه تَعَالَى: {فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ} وَيذكر وَيُرَاد بِهِ أَرْبَعُونَ سنة كَقَوْلِه تَعَالَى: {هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر} على قَول بعض الْمُفَسّرين، فَألْحق بالموضوع لهَذِهِ الْمدَّة، وَهُوَ لَفْظَة (سِتَّة أشهر) حَتَّى لم يَزْدَدْ قدره بالتعريف، بل هُوَ وَالْمُنكر سيان، لِأَن مَا كَانَ مُعَرفا وضعا أَو عرفا يَسْتَوِي فِيهِ لَام التَّعْرِيف وَعدمهَا، لِأَن فَائِدَة اللَّام التَّعْرِيف، وَهُوَ معرف فِي نَفسه عرفا فَكَانَ كالمعرف وضعا
وَالزَّمَان فِي الِاسْتِعْمَال يناوب الْحِين مُعَرفا ومنكرا، حَتَّى أُرِيد بِالزَّمَانِ مَا أُرِيد بالحين، وَقد أجمع أهل اللُّغَة على أَن الزَّمَان الطَّوِيل من شَهْرَيْن إِلَى سِتَّة أشهر، والأزمنة تَنْصَرِف إِلَى الْكل عرفا، وَهُوَ الْعُمر، وَكَذَا الدهور والسنين هَذَا عِنْدهمَا، لِأَن الْألف وَاللَّام فِيهَا للْجِنْس، إِذْ لَا مَعْهُود لَهَا
وَالْأَيَّام تَنْصَرِف إِلَى الْأُسْبُوع، والشهور إِلَى السّنة، تَقْدِيمًا للْعهد على الْجِنْس، لِئَلَّا يَلْغُو احرف الْألف غير مُؤَكدَة مَعَ الْكَلِمَة التَّعْرِيف بِغَيْر ضَرُورَة، والمعهود فِي الْأَيَّام هُوَ السَّبْعَة وَفِي الشُّهُور اثْنَا عشر شهرا، لِأَن حِسَاب الْأَيَّام يَنْتَهِي بالأسبوع، والشهور بِالسنةِ وَعند الإِمَام ينْصَرف إِلَى عشرَة آحَاد كل صنف من الْأَزْمِنَة وَالْأَيَّام والشهور، لِأَن الْجِنْس من حَيْثُ التَّسْمِيَة أقل، والأقل مُتَيَقن بِهِ، فالحمل عَلَيْهِ أولى، وَلَا عهد هُنَا كَمَا قَالَا، إِذْ لَا عود فِي الجموع الْمَذْكُورَة، لِأَن الْأَيَّام لَا تعود أبدا، وَإِنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute