للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المحبوب

والإشفاق ارتقاب الْمَكْرُوه، وَيسْتَعْمل فِي المتوقع فِيهِ (لَعَلَّ) ، وَفِي المطموع فِيهِ (عَسى) ، وَكِلَاهُمَا حرف الترجي، وَقد يرد مجَازًا لتوقع مَحْذُور، وَيُسمى الإشفاق، نَحْو {لَعَلَّ السَّاعَة قريب} وَقد يَقُول الراجي إِذا قوي رجاؤه: سأفعل كَذَا، وسيكون كَذَا، وَعَلِيهِ: {سآتيكم مِنْهَا}

الرّوح، بِالضَّمِّ: هُوَ الرّيح المتردد فِي مُخَارق الْإِنْسَان ومنافذه، وَاسم للنَّفس لكَون النَّفس بعض الرّوح، فَهُوَ كتسمية النَّوْع باسم الْجِنْس، نَحْو تَسْمِيَة الْإِنْسَان بِالْحَيَوَانِ، وَاسم أَيْضا للجزء الَّذِي بِهِ تحصل الْحَيَاة، واستجلاب الْمَنَافِع واستدفاع المضار

وَالروح الحيواني: جسم لطيف منبعه تجويف الْقلب الجسماني، وينتشر بِوَاسِطَة الْعُرُوق الضوارب إِلَى سَائِر أَجزَاء الْبدن

وَالروح الإنساني: لَا يعلم كنهها إِلَّا الله تَعَالَى

وَمذهب أهل السّنة أَن الرّوح وَالْعقل من الْأَعْيَان وليسا بعرضين (كَمَا ظنته الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم وإنهما يقبلان الزِّيَادَة من الصِّفَات الْحَسَنَة والقبيحة كَمَا تقبل الْعين الناظرة غشاوة ورمدا وَالشَّمْس انكسافا؛ وَلِهَذَا وصف الرّوح بالأمارة بالسوء مرّة، وبالمطمئنة أُخْرَى) وَمُلَخَّص مَا قَالَه الْغَزالِيّ أَن الرّوح لَيْسَ بجسم يحل الْبدن حُلُول المَاء فِي الْإِنَاء، وَلَا هُوَ عرض يحل الْقلب والدماغ حُلُول الْعلم فِي الْعَالم، بل هُوَ جَوْهَر لِأَنَّهُ يعرف نَفسه وخالقه وَيدْرك المعقولات، وَهُوَ بِاتِّفَاق الْعُقَلَاء جُزْء لَا يتَجَزَّأ وَشَيْء لَا يَنْقَسِم إِلَّا أَن لفظ الْجُزْء غير لَائِق بِهِ، لِأَن الْجُزْء إِضَافَة إِلَى الْكل وَلَا كل هَهُنَا، فَلَا جُزْء إِلَّا أَن يُرَاد بِهِ مَا يُرِيد الْقَائِل بقوله: الْوَاحِد جُزْء من الْعشْرَة، فَإِذا أخذت جَمِيع الموجودات أَو جَمِيع مَا بِهِ قوام الْإِنْسَان فِي كَونه إنْسَانا كَانَ الرّوح وَاحِدًا من جُمْلَتهَا، لَا هُوَ دَاخل وَلَا هُوَ خَارج وَلَا هُوَ مُنْفَصِل وَلَا هُوَ مُتَّصِل، بل هُوَ منزه عَن الْحُلُول فِي الْمحَال والاتصال بالأجسام والاختصاص بالجهات، مقدس عَن هَذِه الْعَوَارِض، وَلَيْسَ هَذَا تَشْبِيها وإثباتا لأخص وصف الله تَعَالَى فِي حق الرّوح، بل أخص وَصفه تَعَالَى أَنه قيوم أَي: قَائِم بِذَاتِهِ، وكل مَا سواهُ قَائِم بِهِ، فالقيومية لَيست إِلَّا لله تَعَالَى، وَمن قَالَ إِن الرّوح مَخْلُوق أَرَادَ أَنه حَادث وَلَيْسَ بقديم، وَمن قَالَ إِنَّه غير مَخْلُوق أَرَادَ أَنه غير مُقَدّر بكمية فَلَا يدْخل تَحت المساحة وَالتَّقْدِير

ثمَّ اعْلَم أَن الرّوح هُوَ الْجَوْهَر الْعلوِي الَّذِي قيل فِي شَأْنه: {قل الرّوح من أَمر رَبِّي} يَعْنِي أَنه مَوْجُود بِالْأَمر وَهُوَ الَّذِي يسْتَعْمل فِيمَا لَيْسَ لَهُ مَادَّة فَيكون وجوده زمانيا لَا بالخلق، وَهُوَ الَّذِي يسْتَعْمل فِي ماديات، فَيكون وجوده آنيا، فبالأمر تُوجد الْأَرْوَاح، وبالخلق تُوجد الْأَجْسَام المادية قَالَ الله تَعَالَى: {وَمن آيَاته أَن تقوم السَّمَاء وَالْأَرْض بأَمْره} وَقَالَ: {وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات بأَمْره} والأرواح عندنَا أجسام لَطِيفَة غير مادية، خلافًا للفلاسفة، فَإِذا كَانَ الرّوح غير مادي كَانَ لطيفا نورانيا غير قَابل للانحلال، ساريا

<<  <   >  >>