للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سكن وامتد سكونه، وَحصل كل وَاحِد من الامتداد هُوَ الزَّمَان

قَالَ أفلاطون: إِن فِي عَالم الْأَمر جوهرا أزليا يتبدل ويتغير ويتجدد وينصرم بِحَسب النّسَب والإضافات إِلَى المتغيرات لَا بِحَسب الْحَقِيقَة والذات، وَمِنْه الْمَاضِي والمستقبل وَالْحَال، وَبِه التَّقَدُّم والتأخر، وَذَلِكَ الْجَوْهَر بِاعْتِبَار نِسْبَة ذَاته إِلَى الْأُمُور الثَّابِتَة يُسمى سرمدا

وَإِلَى مَا قبل المتغيرات يُسمى دهرا

وَإِلَى مقارنتها يُسمى زَمَانا

وَلَا اسْتِحَالَة فِي أَن يكون للزمان زمَان عِنْد الْمُتَكَلِّمين الَّذين يعْرفُونَ الزَّمَان بالمتجدد الَّذِي يقدر بِهِ متجدد آخر، كَمَا بَين فِي مَحَله

وَالزَّمَان الْمُدعى قدمه عِنْد الفلاسفة هُوَ الْآن السيال، وَهُوَ أَمر بسيط لَا تركب فِيهِ خلق الله الزَّمَان لَيْلًا مظلما، ثمَّ جعل بعضه نَهَارا بإحداث الْإِشْرَاق لإبقاء بعض الزَّمَان على ظلامه وَبَعضه مضيئا

وَالْعبْرَة فِي مَجِيء الزَّمَان بِوُجُود أَوله وَفِي مضيه بِوُجُود آخِره، وانتهاء آخر أَجْزَائِهِ

الزِّيَادَة: هِيَ أَن يَنْضَم إِلَى مَا عَلَيْهِ الشَّيْء فِي نَفسه شَيْء آخر، وَهِي بِمَعْنى الازدياد، إِلَّا أَن الازدياد لَا يسْتَعْمل مُتَعَدِّيا إِلَى مفعولين، بل يتَعَدَّى إِلَى وَاحِد لِأَنَّهُ مضارع (زَاد) نقُول: (زادنا لله النعم فازددناها) وَهُوَ أبلغ من الزِّيَادَة كالاكتساب وَالْكَسْب

وَالزِّيَادَة تلْزم، وَقد تتعدى ب (عَن) كَمَا تتعدى ب (على) ، لِأَن النَّقْص يتَعَدَّى بِهِ وَهُوَ نقيضها، وَالْمَفْعُول الثَّانِي من بَاب (زَاد) يجب أَن يكون بِحَيْثُ تصح إِضَافَته إِلَى الْمَنْصُوب الأول وَتَكون إِضَافَته حَقِيقَة على نمط قَوْله تَعَالَى: {فَزَادَهُم الله مَرضا}

وزاده خيرا وزاده مَالا: أَي مرضهم وخيره وَمَاله وَالشَّيْء لَا يُوصف بِالزِّيَادَةِ إِلَّا إِذا كَانَ لزائد مُقَدرا بِمِقْدَار معِين من جنس الْمَزِيد عَلَيْهِ مثل قَوْلك: (أُعْطِيك عشرَة أُمَنَاء من الْحِنْطَة وَزِيَادَة) وَكَذَا النُّقْصَان وَالْكَثْرَة والقلة، وَهَذَا هُوَ الْقيَاس، وَقد تتَحَقَّق الزِّيَادَة من غير جنسه أَيْضا اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} فَإِن الْحسنى الْجنَّة، وَالزِّيَادَة عَلَيْهَا شَيْء يغاير لكل مَا فِي الْجنَّة، وَهُوَ الرُّؤْيَة قَالَ الله تَعَالَى: {فَمن زحزح عَن النَّار وَأدْخل الْجنَّة فقد فَازَ} وَمن قَالَ هُنَاكَ أَي فوز أعظم من دُخُول الْجنَّة؟ فقد بنى على مَذْهَب الاعتزال

وَالزِّيَادَة كَمَا تسْتَعْمل بِمَعْنى الزَّائِد الْمُسْتَدْرك وَهُوَ الْمَعْنى الْمَشْهُور كَذَلِك تسْتَعْمل فِيمَا بِهِ الشَّيْء ويكمل بِهِ فِي عين الْكَمَال

وَالزَّائِد فِي كَلَامهم لَا بُد أَن يُفِيد فَائِدَة معنوية أَو لفظية وَإِلَّا كَانَ عَبَثا ولغوا

فالمعنوية تَأْكِيد للمعنى كَمَا فِي (من) الاستغراقية، وَالْبَاء فِي خبر (مَا) و (لَيْسَ)

واللفظية تَزْيِين اللَّفْظ وَكَونه بزيادتها أفْصح، أَو مُهَيَّأ لِاسْتِقَامَةِ وزن أَو لحسن سجع أَو غير ذَلِك

وَقد تَجْتَمِع الفائدتان فِي حرف، وَقد تنفرد إِحْدَاهمَا

<<  <   >  >>